من الضروري في نظري إعادة التأكيد مِراراً وتكراراً على قضية مُزمنة في معظم إدارات المجتمع الوظيفي السعودي، وهي تتلخّص ببساطة شديدة فـي دفن الكفاءات السعودية وتـهميشِها وتجاهلها بل ومُحاربتها من قِبَل عدد لا يستهان به من الـمسؤوليـن عنهم.فعلى سبيل الـمثال، يتفنّن بعض المُديرين في طُرق إذلالـهم وظيفياً دون مراعاة أبسط قواعد الذوق السليم والمهنية التي تقتضي احترام إمكانياتـهم وخبـْراتهم فضلاً عن آدميّتهم، بوسائل يـُمكن وصفها بالمهينة القبيحة، بلا رادعٍ من أخلاق ولا وازعٍ من ضميـر.يحدث هذا النوع من الانتهاكات الأخلاقية والانحطاط السلوكي بصورة شبه يومية في البيئة الوظيفية بشكلٍ يندى له جبين الأسوياء خجلاً، دون مُحاولة معظم الـمتأثرين بها سلباً ملاحظتها فضلاً عن مقاومتها أو انتقادها بصورة واضحة، فقد اعتادوا عليها منذ زمن بوصفها وسائل روتينية غير سوية يتعاملون معها كشرٍّ لا بدّ منه، دون رفضها أو تقديـم شكاوى رسـمية ضدها، لفرْط خوفهم أو قلة حيلتهم أو ضياع ثقتهم.في رأيي أن ما أسهم في تكريس هذا السلوك الـقبيح، التراخي الشديد في تحسيـن الأنظمة الرقابية وإهـمال الـمُحاسبة السنوية للمسؤول والـمدير، وتـجاهل تقييمهم من الموظفيـن والعاملين بشكلٍ دوري بواسطة إدارات رقابية مُستقلّة وبصورة سِرية دون الكشف عن اسم الـموظف أو الموظّفة بالضرورة، تجنباً لأي ردود فعلٍ انتقامية، مـما جعل هذا الـمسؤول أو ذاك الـمدير يستمرىء إهانة موظفيه والتعدّي على كرامتهم، فقد أحاط نفسَه ببعض الخانعيـن الـمُواليـن مـمن تنازلوا له عن كرامتهم في سبيل رضاه عنهم وتثبيت كراسيهم، فتأكّد لذلك الـمسؤول إفلاته من العقاب القانونـي، واطمأن لإعفائه من المسؤولية الأخلاقية عن أعماله.ومادام التوجه الحكومي واضحاً في مُـحاربة الفساد، فمن أهم التحدّيات التي تواجه المجتمع الوظيفي السعودي، تفكيك شبكات الفساد الإداري بـجميع مستوياته العُليا والدنيا، ودفن بؤرِه الملوَّثة، وردّ الاعتبار للكفاءات من الموظفيـن من أبناء الوطن الذين يُذلـّهم بعض الـحمقى من الـمُتنفّذين، ومراجعة بعض الأنظمة التي لا يبدو أنها تُفرّق بين الصالـح والطالح، ولا تعطي الأوّلية للقوي الأميـن على الضعيف الخائن لأمانته.
مشاركة :