دخول معماريين مجال تصميم المجوهرات أصبح شبه ظاهرة. فقد دخل العديد منهم المجال إما ليجرب حظه فيه أو ليتحدى نفسه بإبداع أعمال فنية تعتمد على نفس الأسس التي يتم بها تصميم بنايات ضخمة، لكن بمواد مختلفة وأحجام صغيرة ودقيقة بالمقارنة. واحد من هؤلاء المعماريين هو أندريه سي مايرهانز، صاحب ماركة «ماريو أوبولدي جويليري آرت». معماري حفر له مكانة مهمة في دبي، بتشييده معالم مثل جسر قرهود ومجالس العديد من الفنادق وغيرها في دبي، مستوحيا تصاميمه الهندسية دائما من البيئة المحيطة به وشاعرية التاريخ العربي ورومانسيته، مما يفسر عشقه للمشربيات التي تجسدت في الكثير من أعماله. يعترف أندريه بأن العديد من المعماريين توجهوا إلى تصميم المجوهرات، من دون أن يهجروا التصميم المعماري بالكامل، مضيفا «يمكنني القول بكل ثقة إن معظم القطع التي صممها كبار المعماريين كانت نتيجة طلب أو تعاون مع دار مجوهرات كبيرة. السبب أن هؤلاء المعماريين معروفون على عدة مستويات، مما يجعل العملية تسويقية بحتة، تحاول بيوت المجوهرات من خلالها أن تحصل على المزيد من التميز، خصوصا في حال تعاونهم مع اسم قادر على الإضافة إليها». وبالفعل فإن نظرة لما يجري حاليا في السوق تشير إلى أن نصيب الأسد في التعاون مع بيوت المجوهرات هو لمعماريين وليس لفنانين أو نحاتين. يعيد أندريه الأمر إلى سببين «الأول أن بعضهم صمموا مشاريع عالمية، وأصبحت بصمتهم تؤثر على حياة الناس بشكل عملي وملموس، وهذا يعني أن أسماء هؤلاء المعماريين أصبحت معروفة ومطلوبة أكثر من بعض الفنانين، بمن فيهم داميان هيرست. الثاني أن المعماري متعود على تصميم أي شيء حسب الطلب، نظرا لقدرته على التعامل مع كل الأحجام. والنتيجة أن دور المجوهرات تجد التعاون معه سهلا ومضمونا». ويتابع المعماري أن هناك سببا ثالثا «لكنه شخصي، وهو أننا في مرحلة التحديث، حيث يحتفل عالم التصميم بالخطوط الواضحة والأشكال الهندسية المحددة. وهناك عدة قواسم مشتركة بين العالمين، بدليل أن الشكل الهندسي يحرك عالم المجوهرات كما يحرك البنايات المعمارية، مما يجعل عقل المهندس المعماري يتفاعل مع هذه الخطوط المحددة التي تتطلبها المجوهرات العصرية بنسبة عالية». ما يقصده أندريه أن المعماري، مهما حاول التملص من عمله والتجرد منه، لا يستطيع ذلك، ويجد نفسه يتعامل مع أعماله دائما على أنها مشروع هندسي، أو كقطع معمارية بحجم صغير. الفرق الآخر يتجسد في الطريقة التي يتم بها التعامل مع المجوهرات ومع المعمار. في ما يخص الأولى فإن المواد هي التي تحدد عملية الإبداع وصياغة القطعة مثل الخامات المترفة والأحجار ذات الألوان الغنية والصافية، فيما يتم التعامل مع المعمار من زاوية تجريدية خالصة، تتبلور بالتدريج في شكل واضح، قد يكون أقل إثارة أو شاعرية من ناحية التعامل مع المواد، إلا أنه يتيح حرية أكبر في الإبداع والعملية. وهذا ما يؤكده أندريه بقوله «عقليتي المعمارية تظهر في العديد من تصاميمي، سواء من كونها منحوتة وتحاول، إلى حد ما، اللعب على مساحة أو فضاء ما، أو من ناحية خطوطها الهندسية الواضحة». أما الانتقال من الحجم الكبير إلى الأشكال الصغيرة، فيقول بأنه ليس صعبا كما يتصوره البعض، لأن الفكرة تبدأ تجريدية في المخيلة، وعند نقطة معينة يجمد الفنان هذه الفكرة ليبدأ في تنفيذها. بيد أنه يعترف بأنه يجد نفسه، لاشعوريا، يميل إلى الأحجام الكبيرة «باستثناء أقراط الأذن، فإنني أحيانا أجد نفسي أصمم أشكالا ضخمة، ولا أعرف بالضبط ما إذا كان الأمر بسبب خلفيتي المعمارية أو لأنني أرى أن الحجم يجسد رؤيتي للقطعة». في المقابل، يعرف تماما لماذا يعشق المشربيات العربية، مفسرا بأن الإنسان يتأثر ببيئته وما يدور حوله، وبحكم أنه يعيش في دبي، كان لا بد أن تنعكس هذه البيئة على أعماله. يشرح «كان حضوري إلى بيئة مختلفة مهما، لأنني التقطت الصورة، بالألوان، من النظرة الأولى، ثم جاءت بعد ذلك العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع الثقافة والتاريخ. كل هذا تجسد في أعمالي. أكبر مثال على هذا المشربية، لما تتمتع به من مفهوم مهم من الناحيتين المعمارية والرمزية. فهي تعني الخارج والداخل في الوقت ذاته. أي تطل على الخارج ومفتوحة عليه، ومغلقة على الداخل لتحافظ على خصوصيته وحميميته، فضلا عن هندسيتها المنمقة التي تشبه الفسيفساء في جماليتها، ونوافذها الخشبية التي تزين الجوانب لتأمين الظل والحميمية. فكرتها مثيرة لما تختزنه من تاريخ وفن وأدب، مما يجعلها نقطة مهمة لشحذ مخيلة أي مصمم». يتذكر أندريه سي مايرهانز أن دخوله مجال المجوهرات كان مجرد صدفة عندما قرر منذ سنوات إهداء والدته قطعة مجوهرات خاصة، لإدخال السعادة عليها لأنها كانت تمر بظروف قاسية. توالت السنوات وكان في كل مناسبة يصمم لها قطعة يهديها لها حتى يرى البسمة ترتسم على وجهها، وفي إحدى المرات سأله الصائغ المنفذ للتصميم لم لا يصمم مجموعة كاملة يطرحها في السوق؟. راقت له الفكرة وبدأ العمل على خمس تصاميم عرضها في معرض فني خاص به، لقيت قبولا شجعه على تأسيس ماركة «ماريو أوبولدي جويليري آرت» (MARIO UBOLDI Jewellery Art). ويشير إلى أن هناك دافعا آخر وراء هذه الخطوة وهو أنه كان دائما مهتما باكتشاف إلى أي حد يمكن الدفع بالفن الهندسي وكيف يتداخل مع فنون ومهن أخرى. يشرح «طوال عملي مع المعماري سانتياغو كالاترافا، كنت ألاحظ تشابك المعماري مع الهندسي، وفي أعمالي مع كارتييه، وهيوغو بوس، وألفريد دانهيل، وكريستيان لاكروا، أثارني تشابك المعماري بالتسويقي، وهكذا يمكنني القول إن دخولي عالم المجوهرات كان توسعا طبيعيا لاكتشاف مجالات أخرى. فكرة المساحات والأشكال ذات الأبعاد الثلاثية والقدرة على اللعب والتلاعب بها هي ما يفرق بين مصمم مجوهرات بالمفهوم التقليدي، ومصمم آت من مجال الهندسة المعمارية. الأول يتعامل مع المواد ويصوغها في أشكال مناسبة تراعي الاستثمار والموضة على حد سواء، بينما الثاني يتعامل معها كمنحوتات أو كفن. وهو ما يفسره أندريه بأنه عند تصميم أي عمل، أيا كانت نوعيته، يركز على الفكرة أولا، لا على جماليات التصميم أو المواد، وبالفعل نجح في استقطاب شريحة من الناس تريد مجوهرات تثير بداخلها مشاعر عدة وليس مجرد استثمارات. بعضهم يريدها للاستعمال اليومي، وبعضهم يفضلها للمناسبات، وكلهم يبحثون في تميزها الفني عما يحرك مشاعرهم. فالفن جزء لا يتجزأ من أسلوب المصمم المعماري، دوره يتمثل في إثارة التساؤل وتحفيز الذهن والحواس، بينما الموضة، في المقابل، تحرص على تصاميم جديدة تتبع توجهاتها ومتطلباتها، إلى جانب أنها تضع الشخص في إطار اجتماعي أو اقتصادي تحدده المواد والأحجار، ومن ثم إمكانياتهم المادية أولا وأخيرا.
مشاركة :