بقلم: منصف المزغني وريشة علي المندلاوي1 – نشأ الطفل محمود كحيل، أصيل مدينة طرابلس، في الشمال اللبناني، شغوفًا بالرسم، ومع توغله في طريق الفن، وجد نفسه منخرطاً في التصميم الفني في صحافة بيروت، وتقاليدها المشهود لها في دنيا النشر والطباعة.2 – كانت دراسته الأولية في المدرسة الإنجيلية، وبعد إكماله للدراسة الثانوية التحق بالجامعة الأميركية ببيروت ليدرس التجارة والإدارة، لكنه سوف يترك الدراسة ليتبع فطرته الأولى وهواه الأصلي: الرسم، وأعمال التصميم، و… السخرية.3 – عمل، في البداية، اختصاصياً في الرسوم البيانية بوكالة إعلانات، ولكن صار اهتمامه منصبّاً على المشهد الاجتماعي، فدخل عالم تصميم الصحف في عام 1961 من بوابة كبرى: مجلة «الأسبوع العربي»… ثم ألّف سلسلة باسم «بساط الريح».4 – ظهرت بواكير رسومه الكاريكاتيرية السياسية بين عامي 1965 – 1966 في جريدة «لسان الحال» اللبنانية، التي سوف تفتح له الطريق إلى الشهرة، ليحترف الرسم الكاريكاتيري، ثمّ ينتقل إلى مؤسسة «الحياة»، ثم إلى مجلة «الحسناء» في عام 1971 كمدير فني.5 – في سبعينات القرن الماضي، بأحداثها السياسية العربية المدوّية، بدأت الانطلاقة الكبرى لمحمود كحيل في عالم الكاريكاتير السياسي: وصارت له ملامح أسلوب خاص به يعتمد على شعار قوامه: التقشف الكبير في استهلاك الكلمات تعليقاً أو حواراً. هكذا نشر رسوماً ملونة في مجلة «الموندي مورنينغ» الأسبوعبة، واشتغل مديراً فنياً لجريدتي: «الديلي ستار»، و«المونداي مورنينغ». بالإضافة إلى رسومه فيهما، حتى اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975.6 – من عرف محمود كحيل الإنسان والفنان رأى ولمس تواضعه الكبير. فقد دفعه التواضع إلى الإحجام عن وضع اسمه، أو توقيعه على رسومه لفترة من الزمن، وفي مرحلة تالية، وضع الحرف الأول من اسمه،، ثم بات يوقع برسمة طائر عرف عند العرب بأنه نذير شؤم وخراب: طائر الغراب ولعلّ محمود كحيل، هو الآخر، قد اختار الحرب على طريقته، وذلك بإنشاء ميليشياته الجمالية بلا سلاح آخر محمود غير: غراب…. من حبر: هكذا صار يتخذ من الغراب دليلاً على توقيعه كرسام، كما كان يفعل زميله الفلسطيني «ناجي العلي» مع شخصيته «حنظلة» ذلك الطفل الشوكي الرأس، أو كما صنع الأرجنتيني «مورديللو» الذي جعل الزرافة إحدى الشخصيات المحورية في رسومه الهزلية.7 – مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في عام 1975. صار التحول، وبات مستحيلا على رسام الكاريكاتير بشكل خاص أن يمارس مهنته بحرية ودون خوف أو وجل. طار محمود كحيل إلى لندن ليعمل في مطبوعات المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر، وليكون من مؤسسي صحيفة «الشرق الأوسط» الواسعة الانتشار، وهكذا صار رسامها الأول حتى وفاته في عام 2003.8 – لم يكن محمود كحيل رساماً ضاحكاً في زمن عربي يدعو إلى الضحك على رأي أبي الطيب المتنبي في وصف الزمن الكافوري بمصر (وكم ذا بمصر من المضحكات – ولكنه ضحك كالبكا). كان شاهد عصر ساخراً، ومؤرخاً كاريكاتيرياً، ومعه الغراب الشاهد على الأحداث وحوادث تقاتل الإخوة التي شهدتها الساحة العربية، والإنسان العربي.9 – رسم كحيل مواقفه، بأقل ما يمكن من الكلام، ولكن بالكثير من البوح من خلال خطوط (سوداء في الغالب) وبقالب من الكوميديا السوداء، وكان دوماً مصحوباً بـ(الغراب الكحيلي) مثلما كان زميله القتيل ناجي العلي الذي لم تكف رسومه عن حمل (حنظلة العلي).10 – بعد رحيل محمود كحيل الفاجع في مطلع القرن الحادي والعشرين، طار غراب كحيل الشاهد على أحوال المنطقة العربية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، وغاب غراب محمود كحيل يتيماً، وبلا…. كحل.
مشاركة :