دخلت الحرب بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب في لبنان حول مرسوم منح أقدمية للترقية إلى ضباط دورة 1994 في الجيش، التي تعرف بـ»دورة عون»، مرحلة جديدة أمس، بعد تصريحات تصعيدية من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، واتهامات متبادلة بين الرئاستين الأولى والثانية بانتهاك الدستور والقانون والأعراف والأصول. ورغم صمود «التضامن الحكومي»، وعدم دخول البلد حتى الساعة في حالة من الشلل، أو مرحلة تصريف أعمال مبكرة قبل أشهر من الانتخابات، بدأت التداعيات المطلبية- السياسية تتضاعف مع أزمة «المياومين»، التي تظهر «غب الطلب» عند كل مفصل، والتي أدت إلى انقطاعات واسعة في الكهرباء. وفي الوقت نفسه، بات منسوب «الاحراج» مرتفعاً جداً، وكاد يتجاوز حدود الخط الأحمر، عند حزب الله «الصامت الأكبر» في هذه الأزمة وحليف «الرئاستين»، وعند رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يقوم بجهود توفيقية، إلا أن عين التينة (مقر بري) بدأت تضيق ذرعاً بموقفه الوسطي. وفيما بدا أنه جولة جديدة في الحرب بين «الرئاستين»، أشار مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أمس، إلى أن الجدل حول مرسوم الأقدمية «تجاوز أحياناً الأصول والقواعد والأعراف المعتمدة»، مضيفاً أنه «منذ أن نشأ الجدل حول المرسوم المشار إليه، قدّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اقتراحاً دعا فيه المعترضين على صدور المرسوم إلى مراجعة الجهات القضائية المختصة، التي تتولى النظر في الخلافات التي تنشأ نتيجة صدور مراسيم عن السلطة التنفيذية، وعبّر الرئيس عون عن قبوله سلفاً بنتيجة القرار القضائي حتى لو كان مبطلاً للمرسوم ولاغياً له ولمفاعيله». وأضاف البيان: «إلا أنه، رغم موقف رئيس الجمهورية الواضح والحاسم في هذا المجال، استمر الجدل حول المرسوم، وأخذ في أحيان كثيرة منحى مغايراً للأصول، ولا يخدم المصلحة الوطنية، ويهم رئيس الجمهورية أن يؤكد مرة أخيرة، التزامه الموافقة على الرأي الذي تصدره الجهات القضائية المختصة بشأن المرسوم المشار إليه، والذي يفترض أن يلقى موافقة والتزاماً من الجميع، لاسيما أن القضاء هو المرجع الصالح للبت في الخلافات الناشئة حول قانونية المراسيم والإجراءات الصادرة عن الجهات الرسمية المختصة، سواء كانت الخلافات داخل المؤسسات أو في ما بينها». وختم البيان بتأكيد «رغبة رئيس الجمهورية في أن يضع هذا التوضيح حداً للجدل القائم، ويترك للجهات القضائية أن تقول كلمتها الفصل». رئاسة مجلس النواب في المقابل، رد المكتب الإعلامي لرئاسة المجلس النيابي على بيان الرئاسة الأولى في بيان جاء فيه: «مع مشاركتنا الرغبة والشديدة أيضاً في وضع حدّ للجدل القائم حول دستورية المرسوم المتعلق بدورة 1994، غير أن الذي حصل ليس مجرد إشكالية قانونية في مرسوم يطعن به أمام مجلس الشورى، إنما مخالفة صارخة لقاعدة دستورية تسمى مداورة الأصول بالالتفاف على اختصاص سلطة دستورية ومواد بمنتهى الصراحة والوضوح في الدستور، ليس أقلها المادتين 54 و56». ولفت إلى أنه «إذا كان الأمر يتعلق بتفسير ما، فإنما الاختصاص فيه يعود فيه إلى المجلس النيابي دون سواه، والذي تمت المداورة في الأصول أصلاً على اختصاصه، وبعد وضع يده على الموضوع وقول كلمته فيه. وأخيراً إحدى الفضائل كما تعلم رئاسة الجمهورية المكرّمة هي تصحيح الخطأ إذا لم يكن بالإمكان العودة عنه». صالح في السياق نفسه، اعتبر النائب عبدالمجيد صالح عن كتلة «التنمية والتحرير» التابعة لحركة أمل بزعامة بري، أنّه «بطرحه توقيع وزير المال على هذا المرسوم ليتحول دستورياً، يكون بري قد ساهم في قطع 50 في المئة من المسافة المطلوبة لمعالجة هذه الأزمة، وإن كانت الآلية المتّبعة قد تجاوزت مجلس النواب والأعراف». واستغرب صالح «التعاطي مع إيجابية بري بحالة من التعالي من خلال الإصرار على اعتبار المرسوم نافذاً، وإن كان لم ينشر في الجريدة الرسمية، والدعوة للجوء إلى القضاء«. وتحدّث صالح عن «طريقة تعاطٍ من قبل الرئيس عون تُظهر كأن المطلوب ألا تكون هناك مساعٍ وجهود، وكأنّه يقطع الطريق على المبادرات»، معتبراً أنه «كان على رئيس الحكومة سعد الحريري أن يتفهم أكثر مطالبة بري بوجوب تذييل المرسوم بتوقيع وزير المال، خصوصاً أنّه خارج حديثاً من أزمته التي لاقاه فيها كل اللبنانيين ووقفوا إلى جانبه، ما أظهر شجاعة قل نظيرها». وقال: «للأسف في الأزمة الراهنة نشعر كأن هناك من يسعى لفرض أمر واقع كأن ما حصل مقدّس وخارج إطار البحث والنقاش». علوش وفيما بدا أنه محاولة من المستقبل بزعامة الحريري لـ»الوقوف على خاطر» بري، رأى عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل« النائب السابق مصطفى علوش أن «باب الحل غير مقفل، لكن يجب التخفيف من الشق الشخصي في الأزمة»، مؤكداً أن «توقيع وزير المال ضروري على هذا المرسوم، رغم كل المطالعات الدستورية التي تقول عكس ذلك، ومن المؤكد أن هناك عبئاً مالياً للمرسوم»، مشدداً على أن «الحل يبدأ بتوقيع وزير المال».
مشاركة :