الفنون الشعبية والهوية الوطنية

  • 1/10/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دعوني أخبركم عن قصة الرجل البدوي الذي تاه في الصحراء لأيام، وذات ليلة مقمرة في ليل حالك بسوادها، الذي جعل منه يواصل طريقه، ولكنها كلها لحظات رأى بصيص أمل من بعيد سمع صوت رجال، ودق طبول ورأى ناراً مشتعلة، فأسرع بخطاه اليهم، فاقترب منهم فرحبوا به وأكرموه بعد عناء طويل ومشقة، وبعد العشاء بدأت الطبول والطيران تدق وتطبل، وأخذ الرجال يتماليون يسارًا ويميناً، فاستطرب الغريب وكان فرحاً ومستمعاً، فأخبره كبيرهم عن سر هذه الرقصة والإيقاع الجميل، بأنه فن السامري، فلا تخبر أحدًا عنه، وعلموه ومكث لديهم ثلاثة أيام حتى تمكن وتعلم رقصة السامري والإيقاع السحري لهذا الفن، وأكد كبيرهم عليه إن كشفت فن السامري ونشرته فسوف تهلك وتضر نفسك، لم يعبأ هذا الرجل بالكلام، ولكن أيقن حينما لاحظ أثناء رقصهم تبينوا بأنهم ليسوا بشراً وإنما هم جان، من أرجلهم كل واحد لديه رجل من حمار والأخرى له رجل إنسان، مضت سنوات وأفشى السر لقبيلته وعلمهم، وما إن أتقنوا الفن استنزل هذا الرجل واستضر لإفشائه سر فن السامري. هذه هي ثقافات قديمة وأساطير متنوعة، والفنون الشعبية ما هي حكاية تحكي عن تاريخ، وعادات وتبين من مظاهر الحياة والجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفكرية في العالم ككل، وفي الخليج العربي وبالأخص في البحرين. يمثل الرقص الشعبي والأغاني الشكل التقليدي للرقص واللغة والهوية لدى الشعوب، او لدى مجموعة عرقية محددة، فعلى مر التاريخ تكاد غالبية الحضارات قد اتخذت لها رقصات وأغاني خاصة بها، وانتقلت من جيل الى آخر، مما شجع الشعوب على تأليف الأغاني والرقصات وانتشرت الى يومنا هذا. التراث او الفنون الشعبية في البحرين تعكس معتقدات او طقوس دينية، وتقاليد وحضارة وثقافة بحرينية او خليطة، وذلك دليل بأن البحرين دخلت بها العديد من الثقافات، وخالطت العديد من الحضارات، وهو الذي عزز علاقات البحرين الاقتصادية والاجتماعية وكانت سبباً في دخول هذه الثقافات الى البحرين، فكما هو متعارف لكل دولة لها رقصة مشهورة مثل الرقصات والأغاني الاسبانية، وقد تعرف من اللحن أنها من اليابان او الهند، لكل دولة طابعها الخاص، سواء كان معتقداً او خرافة او عادات وتقاليد تستشف من ذلك من الأغاني والرقص، نستنتج أن الفنون الشعبية هي مرآة وحكاية شعب. ومن ضمن تاريخ البحرين للفنون الشعبية والأغاني يستهل الباحث مبارك العماري في كتابه محمد بن فارس حيث يذكر «ان المطربين وعشاق الطرب كانوا يعتمدون جلسات الطرب خلسة بالليل، وكانوا يتوافدون الى مقرات اجتماعاتهم واحدًا تلو الآخر، مخافة ان ينكشف أمرهم وينصرفون قبل طلوع الفجر، وكانوا يغيرون أماكنهم في كل مرة خشية افتضاح أمرهم، وكان الرجال يمنعون أبناءهم من حضور جلسات الطرب وينصحونهم بعدم مجالسة الفنانين». ابتدأ الغناء في البحرين 1887م، حينما أخذ عبد اللطيف بن فارس يعلم أخاه العزف والغناء، وظهر بعد ذلك محمد بن فارس بإبداعه في اللحن والأداء المبتكر، ثم بدأت حركة الغناء من ضاحي بن وليد وزويد... الى أن كانت الاغنية البحرينية في عصرها الذهبي في مطلع السبيعنات وأوائل الثمانينات حتى بدأت تضعف وتخفت والى يومنا هذا.. أما الفنون الشعبية في البحرين والتي تحكي وتحاكي الزمن، كانت تمارس في حفلات الزواج والمناسبات وطقوس الزار، وتتكون من الطبالات يقومون بفنون (الدزة، الخماري، القادري، السامري، البستات)، أما فنون الرجال وهي التي تؤدي فن (الفجري والصوت البحريني المعروف والمشهور، والعرضه)، وقد تكون ايضًا بمشاركة كل من الرجال والنساء في بعض الفنون مثل فن (الطنبورة، ودق الحب، والليوة) ازدواجية الخلفية الثقافية وتطويرها جعلت البحرين هي الأشمل في الفنون الشعبية والمتفردة في الخليج العربي. نعم نحن من نملك إرثًا فنيًا وثقافيًا مهمًا... ولكن هل الأغنية البحرينية والفنون الشعبية في حالة النفس والرمق الأخير قبل الموت؟ وماذا تبقى لأجيالنا القادمة والحاضرة التي لم تعدْ تعي وتفهم شيًاء عن إرث أجدادها، إنما دخلت علينا رقصات وأغانٍ وافدة لا تمت بصلة العروبة والتقاليد؟.  ناقوس الخطر يدق، نحن على وشك انتهاء وطمس الفنون الشعبية التي يتبعها طمس وانتهاء الهوية الوطنية، ويمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فعلى وزارة التربية والتعليم وضع ذلك بالحسبان في مناهجها (مادة الفنون الشعبيه)، وتضافر جهود المحافظات بإحياء الفرق الفنون الشعبية وعرض كل فن على حدة في المناسبات والأعياد في الحدائق العامة، ومشاركة هيئة الثقافة والسياحة وإتاحة الفرص وتدريب الشباب على الفنون الشعبية بدلاً من التركيز فقط على (فن العرضة)، كما أن للإعلام دوراً كبيراً في إعداد برامج للفنون سواء بمقابلة ولقاء من لهم باع في تلك الفنون، ونقل خبراتهم للأجيال، بالاضافة الى نقل كل فعاليات المملكة ليتسنى لنا عرضه للجميع.. نريد إحياء الفنون الشعبية وتدريب كوادر متميزة لأن تنمية الهوية الوطنية، فهي هدف رئيسي لاستراتيجيتها وخططها الحالية والمستقبلية، كونها تعد جهة اجتماعية وأخلاقية ترتبط بتفاصيل حياة الشعب، ماضياً وحاضرًا او مستقبلاً وتفي باستحضار جوهر وجوده واستقرار أسباب بقائه، وذلك حفاظًا على هذا الوجود بين تحديات التشتت والزوال فضلاً عن التفكك والإلغاء.

مشاركة :