تعتمد حركة البحث العلمي في دول العالم المتقدم على الجامعات ، ومراكز البحوث والدراسات فهي الحاضنة لأنماط البحوث المؤثرة في مسار الدولة التي تنتمي إليها ، والكثير منها يَصُب في صالح البشرية عموماً خاصة ما يتعلق بجانب العلوم والتقنية . ومن يتابع أسماء الفائزين بالجوائز العالمية الكبرى سيجد أنهم ينتمون إلى جامعات ذات اهتمام عال بالبحث العلمي ، ومن يرجع إلى التقاليد العلمية في الجامعات الكبرى المؤثرة علمياً يجد أنها تتيح أو تخصص جزءاً كبيراً من ميزانيتها للبحث العلمي النظري والتطبيقي ، كما أنها توفر بيئة مناسبة لباحثيها وأيضاً تعمل على تحفيزهم ، وتوفر الأدوات وتساعد على قيام باحثيها برحلات ميدانية واتصال بنظرائهم في العالم . المؤسف أن هذا التقليد يكاد ينعدم في البلاد العربية عامة ، وإذا كان من الصعب أن نتتبع هذا الوضع العربي ، فإن التركيز على الجامعات المحلية يعطي صورة تظهر أن العناية بالبحث العلمي تتفاوت بين الجامعات السعودية رغم ضعفها على وجه العموم . فهناك جامعات لا تولي هذه الناحية أي اهتمام أو تشجيع ، ودليل عدم الاهتمام أن الباحث لا يجد العناية المطلوبة منها بل قد يشعر بالتضييق عليه باحثاً ، ومحاولة تركيز جهود أعضاء هيئة التدريس على العملية التدريسية وحدها دون تفريق بين الأستاذ الباحث والأستاذ المدرس الذي ليست لديه اهتمامات بحثية . فنجد إصراراً من هذه الجامعات على قيام أعضاء هيئة التدريس دون تفريق بينهم بتحمل عبء دراسي كامل بما يرهق كاهل الأستاذ الباحث ، ويصرفه جبراً عن القيام بأي بحث علمي . أين الخلل؟ الخلل هنا في بعض مسؤولي الجامعات الذين لا يدركون أهمية البحث العلمي من منطلق عدم ممارستهم له أولاً ، ولعدم فهمهم ووعيهم بأهميته لتقدم الجامعة وارتفاع أسهمها على المستوى المحلي والعالمي ، ثانياً . يجب أن لا تقف وزارة التعليم موقفاً سلبياً من هذا ، إذ عليها أن تصححه فتجبر الجامعات التي لا تهتم بالبحث العلمي بأن توليه اهتمام أكبر ، وأن تكافئ الجامعات المهتمة به وتساندها حتى يكون هناك حراك بحثي في المجال التطبيقي والنظري يعلي من شأن الجامعات السعودية على المستوى العالمي . فالبحث العلمي هو الأساس في تطور وتقدم الجامعات وفِي اكتساب السمعة العالية ، ولا أعرف إن كان مثل هذا الكلام سيجد قبولاً لدى الجهة المعنية ، وهي وزارة التعليم لتعمل بجدية لتجعل الجامعات منبراً حقيقياً للبحث العلمي الجاد المنتج والمساهم في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية إلى آخره . أعرف أن هذا الكلام قيل مرات ومرات ، ولكن المؤكد أنه لم يؤثر ، فالحال كما هو عليه منذ سنوات ، فوجود أكثر من ثلاثين جامعة في المملكة يجب أن يسهم في حراك علمي أساسه البحث العلمي والدراسات المعمقة ، ويجب أن لا تكون الجامعات مقصورة على التعليم وحده فهذا جزء من مهامها. أتيحوا للباحثين مجالاً للعمل الجاد المنتج ، وهيئوا لهم البيئة المناسبة ، فعالم اليوم يقوم على البحث والابتكار والإبداع والحاضنة لكل هذا هي الجامعات.
مشاركة :