كلهم في عجلة من أمرهم

  • 1/11/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

جميل مطر خطوات غير قليلة خطتها عملية صياغة شرق أوسط مختلف عن الشرق الأوسط الذي عهدناه. أكثرها خطوات يصعب حصرها وتعيينها بالدقة الواجبة، ولكن الصعوبة الأكبر ستكون من نصيب من يحاول تقييم كل منها على حدة. أتصور أنه سوف يتعين على من يقرر التفرغ للقيام بهذا العمل أن يجد أولاً «الفكرة الجامعة» التي التف حولها أو ابتكرها القائمون، أو أغلب القائمين، على أداء مهمة وضع صياغة مختلفة للشرق الأوسط، ووافقت عليها وتبنتها النخب الحاكمة في مختلف دول الإقليم. هذه الفكرة الجامعة هي التجسيد الأمثل للحد الأدنى المشترك في رؤى الدول الكبرى ودول الإقليم لمستقبل الشرق الأوسط ودور كل منها فيه. وهي في الوقت نفسه البوصلة التي سوف ترشد الحكام إلى أنواع من التفاعلات أقل اضطراباً. نعيش محاولات الصياغة منذ سنوات سالت خلالها دماء غزيرة وتهدمت مدن شهدت بزوغ وأفول حضارات وهاجر الملايين من أهل بلاد شهدت ميلاد أديان عديدة: دين وراء دين. الجديد في الأمر واللافت للانتباه أن الكل من ذوي الحيثية في عجلة من أمرهم. روسيا، وبتشجيع من الولايات المتحدة، تحفز أطراف الصراع على سوريا لتتجاوز الأمم المتحدة وصيرورة جنيف وتنتقل إلى مسيرة أخرى متخففة من قيود الدبلوماسية الأممية التقليدية، مسيرة تحركها موسكو وتشرف عليها وتستحث أطرافاً دون غيرهم على الدخول فيها. لم تبخل روسيا على أعضاء مسيرة الأستانة - سوتشي بنصيب من القسوة الروسية الشهيرة ولم يفتها تحصيل مكاسب لنفسها أولاً بأول. لم تنتظر إلى نهاية المفاوضات. على يدها سوف يتحدد مصير سوريا، ومصير سوريا يعني الكثير بالنسبة لمستقبل منطقة الهلال الخصيب، هذا المصير مع مصير الفلسطينيين يعنيان الكثير جداً بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط ككل. «الإسرائيليون» أيضاً في عجلة من أمرهم، ولم يكونوا يوماً على امتداد الصراع العربي - «الإسرائيلي» في عجلة. استعجلوا إصدار دونالد ترامب إعلانه عن القدس عاصمة أبدية ل «إسرائيل». وفور صدور الإعلان راحوا يهرولون وراء مكاسب أكبر وبسرعة أوفر. أمس الأول طلبت لجنة الليكود إخضاع المستوطنات اليهودية للقانون «الإسرائيلي». بمعنى آخر طلبت إخضاع هذا الجزء الشاسع من الضفة الغربية للسيادة «الإسرائيلية». حدث هذا دون أن يعقبه اهتمام يذكر من جانب الصحافة الأمريكية وأجهزة الإعلام العربية. في الوقت نفسه انشغلت هذه الأجهزة بتوظيف كل تطور سياسي أو إعلامي، حقيقي أو مزيف، لصالح تهدئة غضب الفلسطينيين وأنصارهم في العالم العربي وفي الخارج. حدث في أكثر من دولة عربية أن أثير بشكل لافت النقاش حول أيهما أصلح كعاصمة لدولة فلسطينية لو أتاحت «إسرائيل» لهذه الدولة الفرصة لتنشأ، أبو رديس أم رام الله. كان واضحاً ولم يخف عن الجماهير المسيسة باليأس أو بالغضب أو بقلة الحيلة أن المطلوب منها ومن العالم أن ينسى أنه كان للعرب إرث أو تاريخ أو حتى موقع قدم في مدينة القدس. لا أعرف عاصمة عربية اعتذرت عن سوء فهم جعل الناس يظنون بها الظنون أو تبرأت من الاتهام بأنها تجهز شعوب العرب وشعوب الدول المجاورة ليوم يتنازل فيه الفلسطينيون عن القدس برضاء صوري والإيحاء بأن أنهاراً من الأموال سوف تتدفق على سكان ما تبقى من أرض تحمل اسم فلسطين أو لا تحمله فمن نسي القدس ورضي بما شبه له بها قادر أن ينسى كل فلسطين ويرضى بما شبه له بها. كثير من اجتهادات لخبراء استراتيجية ودراسات مستقبلية توقعت هيمنة على الإقليم من جانب قوى دينية متطرفة فتكاتفت بعض دول الإقليم بدرجات متفاوتة لمنع وقوع هذه الهيمنة. اجتهادات أخرى انتظرت باللهفة أو توقعت بالخشية والفزع انفراط كيانات كبرى في الشرق الأوسط. لم تنفرط دولة خليجية واحدة ولا انفرطت سوريا بل وصار مقبولاً الظن بأن الدول الكبرى نفسها هي التي حالت دون انفراط كيانات سياسية. ما كان يمكن لحكومة العراق وحدها أن تبطل مفعول استفتاء الإقليم الكردي لو أن روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي لم تتخذ موقفاً موحداً ضد الانفراط ونشأة دول جديدة في الشرق الأوسط. تثبت التطورات أن هؤلاء الذين راهنوا أو شجعوا على قيام كيانات طائفية أو عرقية على حساب وحدة الدولة- القطر في الشرق الأوسط اكتشفوا أنهم كانوا يلعبون بالنار. لا يعني هذا زوال خطر الانفراط. إنما يعني أن الدول الكبرى ومعظم دول الإقليم لم تكن، كما ساد الظن، قد استعدت بخريطة للشرق الأوسط تقسم كيانات وتفصل بين شعوب الأمة الواحدة. المتوقع الآن هو أن تنهض على عجل قوى من خارج الإقليم وبخاصة روسيا مع دول من داخله لتسرع بتنفيذ مهمة إعادة توزيع مواقع جديدة للقوة تتناسب والواقع الجديد، وإقامة دوائر نفوذ وتحالفات سياسية وعسكرية، بمعنى آخر نتوقع الإسراع بإقامة نظام جديد لتوازن القوى في الإقليم، ونتوقعه هشاً وركيكاً. gmf.club@gmail.com

مشاركة :