لم يجد الرئيس الإيراني «حسن روحاني» بُداً من الاعتراف بأن الاحتجاجات التي هزت إيران طوال الأيام الماضية، ليست بسبب الوضع الاقتصادي فحسب، حيث قال: «سيكون تحريفاً للأحداث، وكذلك صفعة للشعب الإيراني، القول إن مطالبه كانت اقتصادية فقط، فالشعب له مطالب اقتصادية وسياسية واجتماعية»، البعض رأى في التصريحات نوعاً من الاستهداف للمحافظين المتزمتين الذين يعارضون خططه الرئيسية لتوسيع نطاق الحريات، في حين اتجهت معظم الآراء إلى أن روحاني قد اعترف بالحقيقة، في وقتٍ تُمارس السلطات أقسى أشكال القمع بحق المتظاهرين، وعلى الرغم من إعلان الحرس الثوري عما أسماه «نهاية الفتنة»، فإن الفيديوهات المتواصلة القادمة من إيران تكذّب هذا الادعاء، وفقاً للصور الحية القادمة من أصفهان وطهران وكرمنشان والأحواز وعبدان. المراقبون يقولون إنه على الرغم من قسوة القمع الذي تواجهه، فإن هذه المظاهرات قد اتسمت بجرأة غير مألوفة في أشكال التعبير عن الغضب من النظام الحاكم في إيران، فللمرة الأولى يتم إحراق وتمزيق صوراً للمرشد الأعلى «علي خامنئي»، وكذلك هتافات تطالب بسقوط النظام، والموت للديكتاتور، في إشارة واضحة للخامنئي، وهتفت كذلك بالموت لحسن روحاني الذى كان قد قطع على نفسه الكثير من العهود التي لم يف بها، كما عرضت بعض الفيديوهات أيضاً صوراً كبيرة ل «مريم رجوي»، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، على شارع رئيسي في غرب العاصمة طهران، كما شهدت الانتفاضة كتابة عبارات على الجدران بشوارع المدن الإيرانية المختلفة، مؤيدة لمطالب المتظاهرين وانتفاضتهم ضد النظام الفاسد، ومن أبرز ملامح هذه الانتفاضة أيضاً كونها تنطلق من مناطق تعد حاضنة للنظام. ومن جهته عرض موقع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في يوتيوب تسجيلات لعناصر في الباسيج وهم يحرقون هوياتهم العسكرية، معلنين إنحيازهم للتظاهرات التي تجتاح البلاد، معلنين بذلك انشقاقهم عن النظام القمعي، وانحيازهم لمطالب المتظاهرين. اتساع نطاق التظاهرات بهذا الشكل، دفع بعديد من القيادات السياسية والعسكرية وحتى الدينية في إيران إلى وصف المتظاهرين بأعداء إيران، ومرة أخرى بعملاء الخارج الذين ينفذون أجندات تضر بالمصالح الإيرانية، لكن التهديدات لم تمنع قيام المتظاهرين من الخروج إلى الشوارع وشهدت المظاهرات الغاضبة مقتل 50 فرداً سقطوا وفقاً لتقارير المعارضة، و22 وفقاً لوسائل الإعلام التابعة للنظام، في حين بلغ عدد المعتقلين 3000 إيراني اعتقلوا، لكن النظام لم يعترف سوى باعتقال 1000 فرد فقط، خلال الاحتجاجات التي امتدت إلى 80 بلدة ومدينة إيرانية، وقد أكدت منظمة العفو الدولية أن المحتجزين في السجون الإيرانية التي تشتهر بالتعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة، محرومون من الاتصال بذويهم ومحاميهم، يأتي هذا فيما نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن أحد المسؤولين قوله إن الاضطرابات قد أضرت بسمعة إيران في الخارج، كما أعلن «محسن سازيغارا» المستشار السابق للمرشد السابق «الخميني»، أن الثورة التي تشهدها إيران حالياً ليست عابرة، بل أعمق من حراك 2009، ولن تتوقف عند هذا الحد، وتوقع «سازيغارا» انضمام الجيش الذي يفوق عدده بثلاثة أضعاف عدد الحرس الثوري، عاجلاً أو آجلاً إلى الشعب، كاشفاً أن الحرس الثوري هو الذي يسيطر منذ أيام على مخازن الأسلحة؛ لأنه لا يثق في أفراد الجيش، ويخشى أن يوزعوا الأسلحة على المتظاهرين. سياسة إيران الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، كانت سبباً من بين أسباب كثيرة دفعت المحتجين إلى انتفاضتهم ضد النظام، حيث تتدخل إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، مقدمةً بسخاء دعماً مالياً وعسكرياً، أثار غضب الإيرانيين الذين يريدون أن تركز الحكومة جهودها على المشاكل الاقتصادية المحلية، فوعود روحاني للناخبين الذين أعادوا انتخابه لفترة ثانية، كانت مركزة على توفير مزيد من الوظائف للشباب الإيراني وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والحريات الفردية والتسامح السياسي، لكن كل هذه الوعود تبخرت مع الوقت. العالم يراقب الولايات المتحدة وجدت فيما يحدث فرصة جيدة لممارسة ضغوط أقوى على النظام الإيراني، ومطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات دولية على قادته ومسؤوليه، وهو ما قد يدخل إيران مرحلة جديدة من العزلة الدولية، كما أن توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب تؤيد بشكل كبير ما يحدث في إيران، وكان هذا أبرز ما تناولته تغريدات ترامب خلال الأيام الماضية، «الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد» و«زمن التغيير في إيران قد حان»، في حين أن نائبه «مايك بنس» أشار إلى أن الإدارة الأمريكية لن تكرر أخطاء الماضي، في إشارة إلى سياسة أوباما المهادنة لإيران بشكل كبير، وذكر في تغريدة على موقع تويتر: «مادام الرئيس ترامب رئيساً وأنا نائباً له، فلن نكرر الأخطاء المعيبة عندما تجاهل الآخرون المقاومة البطولية من جانب الشعب الإيراني ضد النظام الوحشي». في إطار متصل فقد توقعت وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أيه» استمرار الاحتجاجات في إيران، نافية في الوقت ذاته ضلوعها في الحراك الشعبي الذي شهدته المدن الإيرانية وتدخل الحرس الثوري لإخماده، حيث أكد مدير الوكالة «مايك بومبيو» بقوله: «أعتقد أننا سنستمر في رؤية الشعب الإيراني يثور». وحذرت الولايات المتحدة طهران من أن العالم يراقب رد فعلها على الاحتجاجات المناهضة للنظام، وذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» قالت إن «الحرية والكرامة الإنسانية لا يمكن فصلهما عن السلام والأمن»، مضيفةً أن «النظام الإيراني تحت الملاحظة، وأن العالم سيراقب ما تفعلون»، وتابعت أن الشعب الإيراني يقول لحكومته «توقفي عن دعم الإرهاب، توقفي عن إعطاء مليارات الأموال للقتلة والديكتاتوريين، توقفي عن أخذ ثروتنا وإنفاقها على مقاتلين أجانب وحروب بالوكالة»، من جهته فإن السفير الفرنسي «فرانسوا ديلاتر» عبر عن قلق بلاده من أعمال العنف في شوارع إيران. يأتي هذا فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون»، خلال مقابلة صحفية أن إدارة الرئيس ترامب، تدعم طموحات المتظاهرين الإيرانيين، ومن بينها إجراء انتقال سلمي للسلطة، وأضاف أن «الإيرانيين يعانون من النظام الحالي، وفي مرحلة ما، سيقرر الناس أنهم لا يريدون العيش بهذه الطريقة أكثر من ذلك»، وهدد تيلرسون إيران بفرض عقوبات جديدة، قائلاً: إن الإدارة الأمريكية تراقب مجمل أفعال وسلوكيات إيران وتدرس فرض عقوبات جديدة إذا لم تغير إيران سلوكها. ومن جهتها قالت «هيذر نويرت»، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: إن إيران تواصل قتل وسجن من يمتلكون شجاعة كافية للنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم، وأضافت: «لقد أعرب الشعب الإيراني عن رغبته في الحصول على معاملة كريمة، ووضع حد للفساد، وتحسين الشفافية، وزيادة الفرص الاقتصادية، كما طالب المتظاهرون بأن يتوقف النظام عن تحويل ثروة البلاد لتمويل المغامرات العسكرية في الخارج. وللأسف، تواصل الحكومة الإيرانية سجن وقتل من يتمتعون بقدر كافٍ من الشجاعة للنزول إلى الشارع، فتحد من تدفق المعلومات إلى إيران وتقيد حرية التعبير وتحاول منع العالم الخارجي من مراقبة أعمال القمع التي تمارسها»، وتابعت: «نحن نؤيد هذه التطلعات المشروعة للشعب الإيراني، وندعو الحكومة إلى السماح بالتبادل الحر للأفكار والمعلومات، ونحن ندين بأقوى العبارات الممكنة حالات الوفيات حتى الآن وعمليات اعتقال ما لا يقل عن ألف من الإيرانيين. ونحن نتمتع بسلطات وافرة لمحاسبة من يرتكبون أعمال عنف ضد المتظاهرين، أو يساهمون في فرض الرقابة، أو يسرقون شعب إيران، ونتوجه لضحايا النظام بالقول إننا لن ننساكم». في إطار متصل فإن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس»، قد أكد أنه يتابع بقلق التطورات الأخيرة في إيران، مستنكراً وقوع خسائر في الأرواح أثناء المظاهرات، كما حث على ضرورة احترام الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير، وعلى أن تجري أي مظاهرة بشكل سلمي، مؤكداً على ضرورة تجنب وقوع مزيد من العنف، في حين حثَّ مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان «زيد رعد الحسين» السلطات الإيرانية على التعامل مع موجة الاحتجاجات في أنحاء البلاد بعناية شديدة حتى لا تزيد من إشعال العنف والاضطرابات، وعلى التحقيق في جميع حالات القتل والإصابات الخطيرة التي وقعت حتى الآن.
مشاركة :