الجديد تفتتح سنتها الرابعة بملف عن حال النقد في الثقافة العربيةتدخل مجلة “الجديد”، بعددها الـ36 الصادر في يناير الجاري، سنتها الرابعة وفي خطتها جملة من الأفكار والمحاور والملفات والموضوعات التي من شأنها أن تواصل الحفر في أرض الثقافة العربية، مقدمة الجديد في الفكر والأدب، ومواصلة فتح الطريق للكتابة العربية المبتكرة والجريئة.العرب عواد علي [نُشر في 2018/01/12، العدد: 10867، ص(14)]المجلة تقتحم أسرار الحداثة المراوغة (لوحة للفنانة ريم يسوف) اشتمل العدد 36 من مجلة “الجديد” على موضوعات تغطي طيفا واسعا من القضايا الشاغلة للأذهان في جغرافيات الثقافة العربية. في افتتاحية العدد، كتب رئيس التحرير نوري الجراح عن “ثقافة الخوف من الآتي: نزال بين الأجيال أم بين القديم والجديد؟”، بيّن فيه أن مصيبة الثقافة العربية ليست في كونها بالغت في تقدير منجزات الأمة الدالّة على ازدهارها في الماضي، وإنما في تصدع إيمانها بقوى المستقبل، وليست في إهمال الأبناء لأدوار الآباء بوصفهم البناة الأوائل، بل في استخفاف الآباء بتطلعات الأبناء وأشواقهم، وليست في عدم تقدير قيمة العقل، كما ذهب البعض، ولكن المصيبة في ذلك الخوف وتلك الاسترابة من الحلم، ومن ثمّ التوجّس من فكرة المغامرة، لِما تناهى إلى العقل من أنها ضرب من الخوض في المجهول. إلى جانب الملف الرئيسي عن حال النقد الثقافي وطبيعة التفكير النقدي في الثقافة العربية الراهنة، ثمّة حواران: الأول مع الشاعر الأميركي جيمي سانتياغو باكا، خاص بـ”الجديد”، كما جرت العادة، والثاني مع السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي، وسجالان عن “طغيان السوداويّة” لهيثم حسين، و”الشعر والهوية الضائعة” لمفيد نجم. مقالات ونصوص ضمّ هذا العدد من المجلة عددا من النصوص الأدبية والفكرية منها قصة “سأهبك حذائي المجنح” لفاروق يوسف، وتسع مقالات لكل من: هيثم الزبيدي “مأزق اسمه الفكر النقدي”، ناجح العبيدي “النقد المفتعل والطريق المسدود: ظاهرة نقد الرأسمالية في العالم العربي”، ماهر عبدالمحسن “ماهية الحقيقة: عبدالغفار مكاوي قارئا هيدجر”، بهاء بن نوار “أجنحة الرواية العربية ومغامرة السينما”، ياسين النصير “القراءة وعلاقات الدائرة”، خطار أبودياب “مصير الدولة الوطنية”، نبيل دبابش “اليقين الزائف”، فهمي رمضاني “أحلام وردية وأوهام فاوستية”، وبن علي لونيس “معتقل الأحلام”. إضافة إلى باب “أصوات”، الذي كتب فيه خزعل الماجدي عن “الذكورية الدينية”، وأمين الزاوي عن “الأدب الكبير متى يكتب؟”، ودراسة بعنوان “العرب في الثقافة الفرنسية: حضور بارز للفرنكفونيين وغياب شبه كلي لذوي اللسان العربي” بقلم أبوبكر العيادي، ومراجعات وقراءات في مجموعة كتب أدبية وفكرية وسياسية، وملخصات لكتب حديثة الصدور أنجزها كمال البستاني، وثلاث مقالات، تنشرها المجلة بالاتفاق مع مجلة “بانيبال”، عن الروائي والكاتب المصري الراحل علاء الديب، الأولى لمنصورة عزالدين “إنسان علاء الديب المهزوم سلفا”، والثانية لإبراهيم فرغلي “سجين البيت”، والثالثة لعلاء خالد “قاهرة علاء الديب”. ملف العدد والحوار حملت مقالات ملف العدد عناوين متعددة “اشتغال العقل عن التفكير النقدي” لسلامة كيلة، “المفهوم المراوغ” لخلدون الشمعة، “عطالة العقل الجدلي في النقد العربي المعاصر” لرامي أبوشهاب، “المشرف على الهول” لميموزا العراوي، “الممارسة النقدية الخرساء” لشرف الدين ماجدولين، “الحرية والفلسفة والنقد” لأيمن بكر، “محاربة طواحين الهواء” لمحمود الغيطاني، “محنة النقد أكاديميا ومتداولا” لمحمد عطية محمود، “صوت النقد في الجزائر” لسعيد خطيبي، “جملة سيعترض عليها الجميع” لباسم فرات، “الفاعل الغائب” لمفيد نجم، “الاستبداد النقدي” لعلي حسن الفواز، و”خفة وتسطيح” لناهد خزام. لقد استجابت هذه المقالات لتساؤلات طرحتها المجلة على عدد من الأقلام العربية، منها ما يتصل بالتفكير، ومنها ما يتعلق بالممارسة النقدية وأسباب غياب الناقد الجريء ليحل مكانه الناقد الصحافي، وقد شكّلت مجتمعة فرصة للتأمل في طبيعة الفكر العربي الراهن في النقد والظاهرة النقدية وطبيعة الوعي النقدي، وملامح من الممارسة النقدية في ثقافة عربية تشهد حاضرا قلقا. حول تجربته الشعرية كمواطن في أميركا عظيمة، لكن غير عادلة، تحدّث الشاعر الأميركي، من أصول إسبانيّة وأميركية أصليّة، جيمي سانتياغو باكا، في حوار أجراه معه الشاعر والمترجم تحسين الخطيب، عن هروبه من الميتم، الذي دخله بعد تخلي والديه عنه وهو في الثانية عشرة من عمره، ليعيش حياة الشوارع، ومن ثم تجربة السجن المشدد الذي أُودع فيه بتهمة حيازة المخدرات. وعن رأيه في الشعراء يقول باكا إنهم “لا يتزلّفون ولا يتملقون أنفسهم أمام أقرانهم الأدباء، إنهم يكتبون وهم منهمكون في الحياة بكامل جوارحهم، ضاربين الصفح عن أن يكونوا مشهورين أو ذائعي الصيت أو أيّ شيء من هذا القبيل”. أما المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي، فقد تحدث في الحوار الذي أجراه معه الكاتب عبدالمجيد دقنيش، عن دوره في صناعة سينما فلسطينية برؤى وتقنيات جديدة، وتطرق إلى فيلمه “كتابة على الثلج” الذي يتناول حكاية وقعت في غزة خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، وأبان عن تصوره لمهمة السينما، مؤكدا أنها الحفاظ على الذاكرة والهوية وإبرازهما. فالفلسطينيون إذا استعملوا الكاميرا، بشكل جيد، في توثيق حياتهم وتاريخهم وتطلعاتهم، على نحو صادق، سيثبتون أن هذه الأرض لهم وهذا التاريخ تاريخهم، ويتغلبون على ما تحاول آلات الاحتلال أن تمحوه. العرب في الثقافة الفرنسية يستقصي أبوبكر العيادي، في دراسته، الحضور البارز للفرنكفونيين العرب في الثقافة الفرنسية، مقابل غياب شبه كلي لذوي اللسان العربي، مؤكدا أن الساحة الفرنسية تزخر بكتّاب وشعراء وباحثين ومفكرين وعلماء اجتماع فرنكفونيين من أصول عربية، منهم من رسّخ اسمه منذ سنوات، ومنهم من سجّل حضورا لافتا في الأعوام الأخيرة، وداوم بعضهم النشر في الدور الفرنسية دون أن يغادر بلاده، وبعضهم مقيم في فرنسا. أما الباقون فهم من الجيل الثاني من أبناء المهاجرين. ويرى العيادي أن أولئك جميعا صاغوا، ولا يزالون يصوغون، أعمالا جديرة بالنقد والدراسة، ولكنه آثر التوقف عند زملائهم ممن أثروا الساحة الفرنسية هم أيضا، إيثارا يستند إلى ثلاثة عناصر: قيمة المنجز الأدبي والعلمي، الحضور البارز في المحافل العلمية والثقافية والإعلامية، وسعة الانتشار، فضلا عن إصدارهم عملا جديدا خلال السنتين الأخيرتين. وهؤلاء هم: عبدالنور بيدار، محمود حسين، علي بنمخلوف، فتحي بنسلامة، بيير رابحي، دنيا بوزار، ياسمينة خضرا، وكمال داود. أما الكتّاب العرب من ذوي اللسان العربي، ولا سيما المنحدرين من المغرب العربي، فلا حضور لهم إلا في القليل النادر، حتى بعد ترجمة أعمالهم، وكأن ثمة نية لدفعهم إلى تبنّي الفرنسية، في إطار استراتيجية عامة تهدف إلى حفاظ فرنسا على مجال نفوذها المهدد من كل جانب.مقالات تجيب عن تساؤلات طرحتها المجلة على عدد من الأقلام العربية، تتصل بالتفكير، والممارسة النقدية مأزق النقد نظرا إلى اتساع إقبال القراء على مراجعات أو نقد الكتب، التي تصدرها دور النشر العربية والأجنبية، فقد خصصت المجلة في هذا العدد 8 مراجعات وقراءات نقدية لكل من: ممدوح فراج النابي “الكتاب المستعاد” قراءة في رواية “قدر الغرف المقبضة” لعبدالحكيم قاسم، هالة صلاح الدين “المدينة تنتصر أحيانا” قراءة في رواية “المدينة تنتصر دائما” للروائي والسينمائي المصري عمر روبرت هاملتون، الصادرة باللغة الإنكليزية في لندن، ناهد خزام “هكذا يفكر الغرب” عن كتاب “الإيمان والقوة.. الدين والسياسة في الشرق الأوسط” للمفكر الأميركي برنارد لويس، حواس محمود “أسباب الانتفاضات العربية.. منحى سياسي خلافي جديد”، عن كتاب مترجم بنفس العنوان من تحرير مارك لينش، فراس حج محمد “إشكاليّة المنفى والعودة” قراءة في رواية “القادم من القيامة” للروائي الفلسطيني وليد الشّرفا، محمد الحمامصي “عزوبية الفنان الحداثي” مراجعة لكتاب “المثقفون والجنس والثورة: عاهرات وعزّاب في القرن التاسع عشر” للكاتبة الفرنسية لور كاتسارو، حنان عقيل “الرواية المخابراتية.. إبداع مستمر وإهمال نقدي” عن كتاب “الرواية المخابراتية في الأدب العربي الحديث”، للكاتب المصري عادل نيل، ليلى الشهيل “كتاب فاتح” مراجعة لكتاب “أثر السود في الحضارة الإسلامية” للباحث العراقي رشيد الخيون. يرى الكاتب هيثم الزبيدي، في مقاله الذي تختتم به المجلة صفحاتها، أن الفكر النقدي الحداثي الذي شكل الغرب المعاصر، ومعه العالم بشكل أو بآخر، يقف مرتبكا أمام مدّ الشعبوية، شعبوية يحملها التقدم نفسه على ظهره. إلا أن ما يبعث على الاطمئنان هو أن هذا الفكر الحداثي الغربي سيتجاوز الردة الشعبوية بمرور الوقت وبفعل التجربة لأنه، بالحد الأدنى، يدرك إلى أين ستقوده فوضى اللانقد. وعلى النقيض من ذلك، يتسم الوضع في الشرق بكونه مختلفا تماما، فقد فاجأه التطور. ويُعدّ الفكر النقدي في عالمنا العربي، حسب رأي الزبيدي، عنوان مأزق خطير، اسمه “فكر”، وصفته أنه “نقدي”، ويمارسه “مفكرون” و”نقاد”، ويقرأه الناس على أنه فكر ونقد، لكنه يخلو حتى مما ينتمي إلى اسمه. إنه نزعة ارتدادية تقود إلى السكون بدلا من أن يكون محرك التغيير.
مشاركة :