روسيا هي المحطة الأولى للإيزيديين بعد حوالي مائة عام من الإقصاء والتهميش

  • 1/12/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتشابه الأقليات الدينية والعرقية في الشرق الأوسط بتعرضها للظلم ذاته جراء استبداد الأنظمة الحاكمة الرافضة للتنوع؛ حيث ترى هذه السلطات في الأقليات كمصدر تهديد لأمن وسلامة البلاد، ولا تعترف بها كفئة دينية أو عرقية، لها كامل حقوقها السياسية والمدنية، وقد تختلف حدة الظلم من أقلية إلى أخرى، إلا أن الأقلية الإيزيدية تعتبر الأكثر تعرضاً للظلم والإقصاء والتهميش من بين تلك الأقليات الدينية. مرّ على الإيزيديين السوريين 98 عاماً دون أن تذكرهم الوثائق الرسمية السورية، ورغم أنهم يعيشون على أرضهم التاريخية منذ آلاف السنين، متوزعين في محافظتي الحسكة وحلب، فإنهم حُرموا من الاعتراف الدستوري والقانوني بهويتهم الدينية من قِبَل الأنظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا منذ الاستقلال الأول للبلاد عام 1919 وإلى يومنا هذا. للإيزيديين السوريين مآسٍ يصعب اختصارها ضمن مقالة واحدة، إلا أن البداية كانت مع الحكومات المتعاقبة على الحكم في سوريا التي حرمتهم من قانون ينظم أحوالهم الشخصية أُسوة ببقية الأديان والطوائف من المسيحيين والموحّدين (الدروز) وغيرهم؛ لذا لجأ الإيزيديون إلى ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية بسرية لحماية أنفسهم من خطر الاعتقال من قِبَل الأجهزة الأمنية، أو من خطر التعرض للقتل نتيجة الصورة النمطية السيئة التي تكوّنت لدى بعض السوريين الذين كانوا يجهلون ماهية الديانة الإيزيدية؛ حيث كان سائداً لديهم أن الإيزيديين هم "عَبَدة الشيطان"، ونتيجة هذه الصورة النمطية الخاطئة، تفاقمت حدة الانتهاكات التي مُورِست بحقهم. الحكومات السورية لم تسعَ يوماً إلى الاعتراف بالإيزيديين كهوية دينية، بل حرمت بعضهم من حق المواطنة عبر سحب الجنسية السورية منهم، استناداً إلى قرار الإحصاء الاستثنائي لعام 1962، كما أن الحكومة السورية أصدرت مشروع الحزام العربي الذي تم بموجبه مصادرة العديد من الأراضي الزراعية للإيزيديين في مناطق الجزيرة ومنحها لـ(عرب الغمر). جميع هذه الانتهاكات بحق الإيزيديين تتعارض مع المواد الأولى والثانية والثالثة وكذلك الرابعة من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية، كما تتعارض مع المادة الثانية والثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونتيجة هذه المظالم تقلصت أعداد الإيزيديين السوريين جراء هجرة الكثير منهم إلى الدول الأوروبية هرباً من استبداد الأنظمة الحاكمة، فتراجعت أعدادهم إلى مائتي ألف نسمة وفقاً لإحصائيات غير رسمية في الأعوام السابقة، ورغم وجود هذه النسبة السكانية فإنهم استثنوا من المشاركة في العملية السياسية ومُنعوا من دخول البرلمان، فضلاً عن تهميشهم وعدم منحهم أي مساحة إعلامية أو ثقافية أو اجتماعية تهدف إلى تعزيز روح السلم الأهلي في البلاد. واستمر هذا الحال مع السنوات الست للثورة السورية، فتم تهميشهم مجدداً من قِبَل معظم أطر المعارضة السورية رغم مشاركة الإيزيديين في الثورة ووقوفهم إلى جانب المطالب الشعبية، وعلى الرغم من الويلات التي عايشوها، فإنهم ما زالوا إلى اليوم متمسكين بالحل السياسي مبتعدين عن مظاهر التسليح وتشكيل القوات العسكرية. خذلت تشكيلات المعارضة السياسية آمال الإيزيديين بولادة قوة علمانية تعترف بحقوق الأقليات وتمنحهم الحق في المشاركة السياسية داخل أروقة المفاوضات الدولية وفقاً لما يؤكده إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية، فحرم الإيزيديون مجدداً من حقوقهم المشروعة، فتم إبعادهم عن مفاوضات جنيف وكذلك مؤتمر رياض 1 و2، بالإضافة إلى تهميشهم من قِبَل المنصات المعارضة الأخرى، باستثناء بعض أطر المعارضة التي لم تحظَ هي نفسها بالمشاركة داخل المفاوضات الدولية بشأن سوريا. بصيص الأمل عاد إلى الإيزيديين مجدداً مع دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأوساط السورية إلى مؤتمر الحوار الوطني في مجمع سوتشي، والذي يحمل بين أجنداته تشكيل لجنة للإصلاحات الدستورية؛ حيث أبدت معظم التشكيلات السياسية قبولها المبدئي بالمشاركة، إلا أن المؤتمر تم تأجيله لاحقاً إلى شهر فبراير/شباط من العام الحالي. يدرك الإيزيديون تماماً أهمية إعادة صياغة الدستور السوري، لما كان يحمل بين طيات بنوده إجحافاً واضحاً بحق الإيزيديين؛ لذلك يعقد الإيزيديون مجدداً الآمال حول ضرورة مشاركتها الفاعلة في المؤتمر المزمع عقده، لتكون أول محطة دولية تفتح أبوابها أمام الأقلية الإيزيدية وتمنحها حقها في التعبير عن هويتها التي لطالما حُرمت منه لعقود من الزمن. وأمام بوابة الدستور سيقف الإيزيديون يوماً، مطالبين بحقوقهم المشروعة التي تدخل ضمن إطار الاعتراف الدستوري بالمكون الديني الإيزيدي، وما يتمخض عنه من مطالب محقة تضمن لهم العيش في سوريا تعددية اتحادية علمانية، وتؤمن لهم مستقبلهم كما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتحديداً الجزء المتعلق بأن "تحترم سوريا المستقبل حقوق الأقليات"؛ حيث جاء في القرار أنه "يجب أن تتأكد الطوائف الأقل عدداً من أن حقوقها ستُحترم". وتأكيداً على قرار مجلس الأمن فإن طمأنة الإيزيديين بضمان حقوقهم في سوريا المستقبل لن تتم إلا داخل إطار الاعتراف الدستوري المشروع الذي يمكن التعويل عليه بمثابة الحصن المنيع أمام الهجمات التي تنال من وجودهم على أرضهم التاريخية، وبالتالي خطوة نحو رفع جميع المظالم التي تعرض لها الإيزيديون وتعويضهم عنها. فهل تكون روسيا هي الدولة التي تقوم بتوحيد الرؤى السياسية المتناحرة من جهة، وتعزيز الوجود الفاعل لأبناء المكونات الدينية والعرقية، وإفساح المجال لهم للتعبير عن رؤيتهم لسوريا المستقبل من جهة أخرى، في ظل دستور يحفظ حقوق جميع المكونات، وتكون الوسيلة لإحداث تغييرات في نموذج التعايش الآمِن في سوريا المستقبل؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :