التقارب المفاجئ بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقادة الحشد الشعبي لخوض الانتخابات القادمة جنبا إلى جنب من مفاجأة عكستها ردود الفعل السياسية والإعلامية في بغداد، مأتاها أن العبادي قفز فجأة من معارضة استخدام الحشد كورقة انتخابية إلى التحالف مع كبار قادته وعلى رأسهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر القوي والنافذ. غير أنّ مطّلعين على كواليس السياسة العراقية يؤكّدون أنّ إيران وراء الجمع بين العبادي والعامري، من منظور أنّ طهران أصبحت موقنة من شعبية رئيس الوزراء وبالتالي من اتساع فرصته في ولاية ثانية على رأس الحكومة، فبات أفضل خيار لديها إجباره على الشراكة مع زعيم بدر ليكون، من جهة، شريكه القوي في تشكيل الحكومة القادمة، ومن جهة ثانية رقيبا عليه، لضمان عدم استقوائه بجماهيريته ضد نفوذ إيران في العراق، على اعتبار أنّ الرجل أبدى خلال فترة حكمه الحالية قدرا من النزوع إلى الاستقلالية ورغبة في إدخال نوع من التوازن على علاقات البلد مع دول الإقليم. ويبدو أكبر الخاسرين من هذه “التوليفة الإيرانية”، نوري المالكي زعيم حزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق، الذي لم يعد على ما يبدو موضع رهان من طهران لمعرفتها بصعوبة إعادة تسويقه في الشارع العراقي بفعل ما تعلّق بسمعته من فشل في إدارة شؤون البلاد ومن شبهات فساد كبيرة. ويدعم هذا الطرح ما يتم تداوله بقوّة في بغداد بشأن وجود الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني، منذ بداية الأسبوع الحالي في العاصمة العراقية وعقده اجتماعات مكثّفة مع العديد من الشخصيات من بينهم كبار قادة الحشد الشعبي.قيادات الحشد متفقة على التحالف مع حيدر العبادي قبل الانتخابات، إن أمكن، أو بعدها إن حال القانون دون ذلك وتواصلت المشاورات إلى حدود مساء الجمعة، بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقيادات بارزة في قوات الحشد الشعبي، لتشكيل قائمة موحدة، وخوض الانتخابات العامة، المقررة في 12 مايو، وسط ترجيحات بأن “مفاوضات الجانبين إن لم تسفر عن تحالف انتخابي، ستتحول إلى تكتل برلماني، بعد الانتخابات”. وفاجأ تقارب العبادي وقادة الحشد الشعبي الأوساط السياسية العراقية التي اعتبرته بمثابة نجاح للعبادي في تجريد سلفه على رأس الحكومة وغريمه السياسي وفي نفس الوقت رئيسه في حزب الدعوة، نوري المالكي من أهم أسلحته قبل الانتخابات. وقبل شهور من الآن، كان في حكم المؤكد، تحالف المالكي وقادة الحشد في قائمة انتخابية واحدة “لكن الشعور الإيراني بتزايد أهمية العبادي الشعبية، دفع طهران لتشجيع أصدقائها في العراق، على الاقتراب من العبادي”، وفقا لسياسي عراقي مطلع على كواليس المفاوضات. وبدا أن قادة الحشد الشعبي منفتحون على العبادي بشكل واضح، خلال مفاوضات الخميس الماضي التي استمرت ساعات عديدة، إذ تسرب أنهم مستعدون للتنازل عن اسم التحالف الذي شكلوه، وهو “الفتح المبين”، لصالح الدخول في قائمة العبادي، التي تحمل اسم “النصر والإصلاح”، فضلا عن منح رئيس الوزراء الرقم 1 في القائمة الانتخابية التي ستخوض الانتخابات في بغداد. وقال سياسي مشارك في هذه المفاوضات، إن هادي العامري، زعيم منظمة بدر، لم يمانع في التخلي عن رئاسة القائمة للعبادي، في حال تحالفهما. ويضم تكتل قوى الحشد الشعبي التي قررت خوض الانتخابات، 15 حزبا، معظمها موالية لإيران، وفيما لو قررت جميعها التحالف مع العبادي فهذا من شأنه أن يترك المالكي بلا حلفاء. لكن العبادي يواجه عائقا قانونيا يحول دون خوضه الانتخابات بعيدا عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي. ويشغل العبادي منصبا بارزا في حزب الدعوة، الذي يتزعمه المالكي، وسجله جزءا من ائتلاف دولة القانون، في مفوضية الانتخابات. ولا يسمح القانون العراقي للحزب الواحد أن يشارك في تحالفين انتخابيين. وما لم يستقل العبادي من حزب الدعوة، فهو ملزم بقبول الرقم 2 في قائمة يتزعمها المالكي. وتقول مصادر “العرب” إن “العبادي كان يأمل أن يقر تعديل معروض على البرلمان منذ أسابيع، يمكنه من خوض الانتخابات في ائتلاف غير دولة القانون، مع الاحتفاظ بموقعه في حزب الدعوة”. لكن التعديل، وهو جزء من قانون واسع ينظم إجراء الانتخابات، لم ينجح في حيازة التوافق البرلماني، وظل حبيس أدراج لجنة مراجعة القوانين في مجلس النواب العراقي. ومع هذا، تستبعد مصادر “العرب” قبول العبادي المشاركة في الانتخابات عبر قائمة يتزعمها المالكي.انتخابات بعيدة عن حل مشاكل العراقيين وتقول المصادر إن “الزعماء السياسيين في العراق يدركون لما للرقم 1 من تأثير في نفوس الناخبين”. ويخشى العبادي أن يفهم الناخبون أنه قبل العمل تحت جناح المالكي، فيما لو وافق على خوض الانتخابات ضمن ائتلاف دولة القانون، حاملا الرقم 2. وتضيف المصادر أن “العبادي ربما يلجأ إلى الاستقالة من حزب الدعوة أخيرا، في حال استمر المأزق القانوني الذي يحاصره، مستغلا فتح باب تسجيل الكيانات المفردة، مجددا في مفوضية الانتخابات”. وعمليا، سجل العبادي تحالفه الانتخابي “النصر” في مفوضية الانتخابات، ويمكنه إلحاق أي حزب به حتى موعد إغلاق باب تقديم أسماء المرشحين، الشهر القادم. وتقول المصادر إن “العبادي يضغط على قيادات مهمة في حزب الدعوة، لمنحه منصب الأمين العام الذي يشغله المالكي حاليا”، لكن المالكي يصر على الاحتفاظ بزعامة الحزب. وفيما لو نجح العبادي في الحصول على زعامة الحزب، ولبت مفوضية الانتخابات طلبه إخراج الدعوة من لائحة دولة القانون، سيكون نوري المالكي بلا حزب وسيواجه المشكلة نفسها. وتضيف المصادر أن “قيادات الحشد الشعبي تنتظر حسم الجدل داخل دولة القانون، وإن كانت أقرب للإيمان بصعوبة إنجاز التحالف مع العبادي قبل الانتخابات”. وتقول إن “قيادات الحشد متفقة على التحالف مع العبادي، قبل الانتخابات، إن أمكن، أو بعدها، إن حال القانون دون ذلك”. ووفقا لتوقعات مراقبين، فإن اليومين القادمين ربما يشهدان حسم الجدل في هذا الشأن. والى جانب قوى الحشد الشعبي، هناك طيف من القوى السياسية السنية التي تخطب ود العبادي، للتحالف معه قبل أو بعد الانتخابات. وأبرز هذه القوى، تحالفان في الأنبار ونينوى، الأول يقوده وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، والثاني يقوده وزير الدفاع السابق خالد العبيدي. ويأمل هذان التحالفان أن يستعينا بسمعة العبادي، لمنافسة تحالفين يضمان قوى سياسية من العيار الثقيل، في مناطق الأغلبية السنية في البلاد، يقود الأول إياد علاوي رفقة سليم الجبوري وصالح المطلك، ويقود الثاني خميس الخنجر رفقة رافع العيساوي وأسامة النجيفي.
مشاركة :