في الآونة الأخيرة، أصبحت الاستدامة من أكثر المصطلحات الدارجة استخداماً، وأخذت مكانتها ضمن الحوارات الجارية على الصعيد العالمي. وكان الأثر الإيجابي لذلك هو تنامي الوعي والإدراك بأهمية إدماج الاستدامة في كل المفاهيم والمناهج المعتمدة، سواء ما يتعلق منها بالأخلاقيات والسلوكيات أو باستراتيجيات الأعمال. وبدون شك، فإن مستقبل العالم سيعتمد في النهاية على المنهج المتبع للحفاظ على البيئة والنمو الاقتصادي والدمج الاجتماعي. أما الحوارات العالمية القائمة فهي تظهر الدور الرئيسي الذي تلعبه الدبلوماسية على المستوى العالمي لإنشاء تكتيك ثابت ومسؤول، وتنفيذه وتحقيقه، وهو الأمر الذي أدى لبروز صيغة جديدة للدبلوماسية، وهي الدبلوماسية المستدامة. وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، توصف الدبلوماسية المستدامة أو البيئية بأنها ’ممارسة حماية بيئية معززة بإجراءات دبلوماسية للاستفادة من نماذج الحفاظ على الموارد الطبيعية، والعمليات المستدامة والإشراف الفاعل على البيئة ‘. وفي الوقت الذي تعمل فيه الأمم المتحدة على الاضطلاع بدورها الريادي في تحديد كيفية قيام الدول بالتنمية المستدامة من خلال وضعها للأهداف ال 17 للتنمية المستدامة، فإننا نلحظ من جهتنا تزايداً في الدور المحوري الذي تلعبه الدبلوماسية المستدامة لتحقيق تلك الأهداف. وتعتبر أهداف التنمية المستدامة بمثابة نداء موجه لجميع البلدان بغض النظر عن ثرواتها أو أوضاعها، للعمل على تعزيز ازدهارها مع الحفاظ على كوكب الأرض، والموازنة بين استراتيجيات النمو الاقتصادي عبر معالجة القضايا الأساسية مثل احتياجات التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية وفرص العمل. وعلى أيّ حال، لا يمكن لحكومات تلك الدول أن تعمل بشكل منعزل، فالشراكات على المستويين الإقليمي والعالمي أمرٌ حاسمٌ في تحقيق الأهداف الطامحة لتحقيق مزيد من المنافع على نطاق العالم. وتعتبر الدبلوماسية المستدامة القوة الدافعة لإقامة تلك الشراكات والمحافظة عليها، وتمكين الحكومات والمبتكرين والباحثين والقطاع الخاص من العمل معاً على إيجاد حلول تعالج قضايا التنمية المستدامة. ومنذ وقت طويل، أدركت دولة الإمارات أهمية البيئة المستدامة والبنية التحتية المتكاملة واعتبرتها واحدة من الركائز الأساسية ضمن الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، الأمر الذي يجعل من الاستدامة محوراً رئيسياً في استراتيجيات الحكومة وتفاعلاتها مع القطاع الخاص. وفي إطار الإشادة بالجهود الدبلوماسية الاستثنائية التي تبذلها في هذا المجال، وقع الاختيار على دولة الإمارات لاستضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، في خطوة ساعدت الإمارات كي تصبح في المستقبل مركزا أساسياً في المنطقة لقطاع الطاقة المتجددة مع تطوير المواهب والخبرات المطلوبة بشكل متزايد ضمن هذا المجال المتخصص. وبالنظر إلى كوني قد كرّست جزءاً كبيراً من مسيرتي المهنية في التركيز على الاستدامة، فإنني أشعر بالحماس للفرصة التي أتيحت لي من خلال موقعي كنائبة لمدير أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، والاستفادة من خبرتي ومعرفتي للمساعدة في صياغة المنهج الدراسي للدبلوماسيين الإماراتيين والقيادات الحكومية في الحاضر والمستقبل. وفي ظل الاضطرابات التي يشهدها عالمنا اليوم، يميل الرأي العام بشكل متزايد نحو تفعيل قوة الإقناع الناعمة كأداة حيوية للحفاظ السلم والتنمية الدوليين. ويشير التحول في التركيز نحو الدبلوماسية المستدامة إلى التطور الذي يشهده دور الدبلوماسية على مستوى العالم، وفي هذا الإطار، فإننا نحرص على أن يكون دبلوماسيو الإمارات في طليعة القائمين بهذا الدور الجديد على الساحة الدبلوماسية. ويقوم دور أكاديمية الإمارات الدبلوماسية على تزويد طلابنا بالمعرفة والمهارات الأساسية للنجاح في مسيرتهم الدبلوماسية، وتطوير منهاجنا الدراسي لمساعدة خريجينا على الإبداع في التفكير، واعتماد نهج شمولي في تعاملاتهم مع الحالات التي تواجههم والتوصل إلى قرارات سديدة بشأنها. من ناحية أخرى، نقوم بتكييف برامجنا بصورة تلبي الأولويات الناشئة والمستجدة، وتواكب تطور التكنولوجيا الحديثة. وفي المرحلة المقبلة، سيتم إدماج أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ضمن المنهاج الدراسي لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وذلك من منطلق إدراكنا لأهمية تلك الأهداف بالنسبة للجيل القادم من الدبلوماسيين والقيادات الحكومية. وتأتي مشاركة أكاديمية الإمارات الدبلوماسية الواسعة في أسبوع أبوظبي للاستدامة 2018 لتعزيز فهمنا للتوجهات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تسهم في صياغة التنمية المستدامة على مستوى العالم، الأمر الذي يثري معرفتنا بالدبلوماسية المستدامة. وفي هذا الإطار، يشارك سعادة برناردينو ليون، المدير العام لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وطلابنا وأعضاء هيئتنا التدريسية المتميزون في عدد من حلقات النقاش التي يعرضون خلالها رؤيتنا وأفكارنا حول الكيفية التي تسهم بها الدبلوماسية للمساعدة في تعزيز أجندة الاستدامة حول العالم. ونأمل بعد ذلك أن نعتمد على خبراتنا الجماعية المكتسبة بصورة تتيح لنا الاستفادة مما تعلمناه، ومواصلة تطوير مناهجنا لضمان امتلاك الدبلوماسيين والقيادات الحكومية الإماراتية في الحاضر والمستقبل كلّ ما يلزمهم من المعرفة والمهارة لترسيخ موقع الإمارات في الريادة الفكرية للدبلوماسية المستدامة. إن أكاديمية الإمارات الدبلوماسية كانت وستبقى دوماً ملتزمة برفع مكانة الإمارات باعتبارها مساهماً فاعلاً في حلّ القضايا البيئية ونشر الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة داخل البلاد وخارجها.
مشاركة :