انتشرت ظاهرة النسيان بصورة كبيرة بين قطاع واسع من المجتمعات على مستوى العالم، فلم تعد قاصرة على كبار السن بل ظهرت بين الشباب والصغار، فالكثير يضع الأشياء ثم ينسى أين وضعها، وينطبق الوضع على طريقة المذاكرة والتحصيل والتذكر في أوقات الامتحان، ويبدو أن هناك أسبابا كثيرة غير معلومة أدت إلى حدوث هذه المشكلة.يمكن أن يكون التطور الهائل للتكنولوجيا ووجود مصادر المعلومات متاحة في أي وقت، جعل الكثير لا يرهق عقله في حفظ وتذكر المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى تغير نظم التعليم بشكل أعطى للذاكرة هدنة في استرجاع المعلومات، وهذه المشكلة لم تصل إلى درجة المرض، بمعنى أن كل من يعانون النسيان غير مصابين بمرض الزهايمر، ولكنها مؤشر على حدوث تدهور في الذاكرة، والذي سوف يعجل من الإصابة بهذا المرض في غضون سنوات، والغريب أن عددا من الشباب الصغير بدأ يشكو من عدم تذكر بعض المعلومات الهامة، ويمكن أن يسبب النسيان كارثة ضخمة، مثل عدم تذكر الأم لغلق البوتاجاز أثناء مغادرة البيت، وهي تضع عليه الطعام للتسخين أو الطهي أو عمل فنجان من الشاي، ثم تغادر المنزل على عجل وتنسى أن تغلق مفتاح الغاز، فتنشب حرائق داخل المنزل، وحدث ذلك بالفعل في بعض المنازل، والأب أيضا ينسى أحيانا عندما يضع وعاء الشاي وينهمك في العمل وينتبه عند انتشار رائحة الدخان في المكان، وفي هذا الموضوع سوف نحاول علاج مشكلة النسيان، وذلك من خلال بعض النصائح والطرق والأساليب العلمية، والتي سوف تأتي بنتائج ملحوظة بعد أيام من اتباع هذه الخطوات. الاستيعاب والفهم تتوافر بعض الخطوات السهلة التي يمكن اتباعها وممارستها لتحسين الذاكرة خلال أنشطة الحياة اليومية، والتي تعود بالإيجابية على التحصيل والمذاكرة، وأولى هذه الخطوات هي الاستيعاب والفهم الجيد، يمثلان الطريقة المثالية لدخول المعلومات إلى الذاكرة، فعلى سبيل المثال إذا لم تستوعب وتفهم ما يقول الشخص الذي تتحدث معه، فسوف تنسى الحديث الذي دار بينكم بعد فترة بسيطة من انتهاء الحوار، أو في حالة مذاكرة أحد الدروس ولم يتم هضمه وفهمه، فلن يتذكر الطالب من شيء عند الحاجة إليه، ويصبح تذكره صعباً للغاية، ولذلك فإن الفهم الجيد لكل معنى الدروس يوفر الكثير من الوقت في التذكر، فالمخ تعامل بطريقته مع هذه البيانات والمعلومات وأدخلها بطريقة يستطيع أن يسترجعها وقت اللزوم، ولذلك ينصح الأطباء بقراءة الدروس وفهمها بشكل كامل، وليس فهماً جزئياً بمعنى أن المخ فهم كل تفاصيل المعاني التي يقدمها هذا الدرس، فالكثير من الطلاب يركز على الحفظ فقط دون الفهم، وهذه طريقة فيها خطأ كبير، لأن الدماغ بعد فترة قصيرة لن يستطيع استدعاء هذه المعلومات، لأنه لم يربطها بروابط يستطيع من خلالها جلب هذه المعلومات وقت الحاجة، ويمكن ربط الفهم ببعض الرموز والأرقام والكلمات المجمعة لأكثر عدد من المعلومات، ووضع خطوط تحت الكلمات التي ترتبط بالمخ أكثر في الفهم، وربطها بسهولة بطريقة الاستدعاء، ويمكن من خلال كلمة واحدة بالدرس أن تتذكر الموضوع بأكمله، فهي قادرة على تذكير الدماغ بالفهم واستدعاء المعلومات التي تم تخزينها، وعن تجارب كثيرة بينت أن الاستيعاب والفهم الجيد يوفر الوقت والجهد في الحفظ والاسترجاع. التمارين الذهنية والتكرار يساهم النشاط الذهني في تحسين قدرات الذاكرة بشكل كبير، من خلال تنشيط العقل ببعض الأفكار والتمارين الذهنية وحل المسابقات والكلمات المتقاطعة والسودوكو، والألعاب التي تعتمد على خبرات التفكير والذكاء مثل الشطرنج، وتعلم بعض اللغات الجديدة وقراءة الكتب واتخاذ أساليب جديدة وغير تقليدية في الحياة اليومية، تختلف عن الطرق المعتادة في العمل والرجوع للبيت، وكشفت دراسة أمريكية حديثة حدوث تراجع في النسيان وصل إلى نسبة 55% عند استخدام التمارين والأنشطة العقلية التي تعتمد على تشغيل الدماغ، ومن سبل تعزيز الذاكرة أيضا استخدام أسلوب التكرار، خاصة للطلاب أثناء المذاكرة والتحصيل، فتكرار المعلومة يجعلها تلتصق بقوة في الذاكرة ويسهل استرجاعها وقت الحاجة، فعلى سبيل المثال يتذكر الشخص أسماء المقربين منه نتيجة التكرار المستمر لهذه الأسماء، ولكن يصعب تذكر رقم الهاتف أو رقم البطاقة لأن الشخص لا يكرر هذه المعلومات، وثبت أن الدماغ يعتبر البيانات التي يتم تكرارها هي معلومات هامة، فينقلها إلى الذاكرة طويلة الأمد، ومن هنا يجب على من يعاني من فقدان المعلومات بسرعة أن يسلك طريقة تكرارها، حتى يتم تثبيتها في الدماغ بصورة جيدة، وينصح المختصون باستعمال المعلومات الجديدة باستمرار ليتم تكرارها على المخ، ويمكن تكرار المعلومات بطريقة شرحها للآخرين، أو كتابتها عدة مرات على الورق لتزيد الفائدة بتنشيط الذاكرة الحركية لليد، فمن الملاحظ أن الكثير لا يحفظ أرقام التليفونات، ولكن عند ممارسة طلب الرقم على التليفون فإن اليد تتحرك بالذاكرة على أرقام التليفون وتحفظ طريقة الاتصال بشكل أوتوماتيكي، إذن طريقة تكرار المعلومة أو استخدامها بشكل مستمر أو تكرار كتابتها وترديدها وسمعها يعزز ويقوي الذاكرة بصورة جيدة. الاستسلام للضعف يظن البعض أن ذاكرته ضعيفة ويستسلم لهذا الضعف ويترسخ هذا الاعتقاد بداخله، ولا يحاول أن يتخلص من هذه الفكرة ويبدأ في تمرين عقله على التذكر، فهذا الاعتقاد كفيل بتمكن حالة الضعف من الدماغ، وهي في الأساس ليست مشكلة مرضية ولكنها حالة طارئة ناجمة عن مسببات وقتية سرعان ما تزول وتسترد الذاكرة عافيتها، ولكن هذا الاستسلام يمكن من زيادة حالة النسيان واستفحالها بدرجة مضرة للشخص، والغريب أننا نجد بعض الشباب يطلبون من الآخرين عدم تحملهم المسؤولية لأنهم سريعي النسيان، ويروجون ذلك طوال الوقت وهذا السلوك أحد العوامل التي تسبب ضعف الذاكرة، أما إذا تغير هذا الاعتقاد واستعاد الشخص ثقته بنفسة وقدراته الإدراكية، فسوف يتغير الوضع وتنشط الذاكرة وتستعيد قدراتها على التذكر الجيد، فتسرب إحساس الفشل وعدم النجاح إلى الشخص، كفيل بفقدان الشخص لقدرته على تحقيق أي تقدم، فالإحساس بعدم القدرة على التذكر سوف يؤكد فقدان القدرة على إنجاز المهمة واسترجاع المعلومات، والشعور بالهزيمة سوف يوصل الشخص إلى الاستسلام التام لتقبل الخسارة، وفي حالة استعادة الثقة بالنفس سوف يتغير الحال وترتفع العزيمة، ويشعر الشخص بتقدم ملحوظ في حالة التذكر، وهذه النتيجة جاءت بعد تجارب واقعية. ربط المعلومات يسهل تذكر المعلومات عندما يربطها الشخص ببعض الأشياء القريبة منه، فعلى سبيل المثال يعاني الكثير من نسيان الأسماء، وتسبب له إحراج في المناسبات واللقاءات، ولكن عند التعرف على شخص جديد وتبادل الأسماء فيمكن ربط اسمه بأحد الأشخاص المقربين منك في نفس اللحظة، مثل ربط اسمه المتشابه بأخيك أو أبيك أو أحد أصدقائك المقربين أو اسم أحد المشاهير، أو حتى ربطت الشكل بالاسم بأحد المشاهير، وعند اللقاء مرة أخرى سوف تتذكر أن اسم هذا الشخص على اسم أخيك، كما يمكن حفظ المعلومة القديمة من خلال ربطها بمعلومة قديمة في الذاكرة، كما يمكن ربط المعلومات بالأماكن، حيث تزيد حالة التخيل وتنطبع المعلومات على هذه الأماكن بشكل أقوى في الذاكرة، فمحاولات ربط المعلومات المتسلسلة بالمكان الذي تعرفه وتتخيله جيدا، سوف تجد طريقة جيدة لحفظ تسلسل المعلومات. العلكة والنوم تشير دراستان حديثتان إلى أن مضغ العلكة يساهم في تعزيز حالة اليقظة وتقوية الذاكرة، حيث توصل الباحثون في الدراستين إلى حصول الأشخاص الذين استخدموا مضغ العلكة على نتائج أفضل للذاكرة، في التجربة التي أجريت على عدد من الأشخاص المتطوعين، وأرجعت ذلك إلى أن مضغ العلكة يرفع من معدلات ضربات القلب، بما يعني زيادة تدفق الدم المتجه نحو الدماغ، ويعود ذلك بالإيجاب على حالة خلايا المخ وتنشيط قدراتها الإدراكية بشكل ملحوظ خلال التجربة، وأثبتت دراسة أمريكية أخرى أن هناك علاقة واضحة بين حالة ضعف الذاكرة وبين قلة النوم، لأن الدماغ هو مخزن الذاكرة وتحتاج الخلايا العصبية الموجودة بهذا الدماغ إلى إعادة النشاط، من خلال الحصول على قسط من الراحة عبر النوم الكافي، بالإضافة إلى أن الذاكرة تعمل خلال فترة النوم على تخزين المعلومات التي استقبلتها في اليقظة، وتصنيف الأحداث التي مرت بالشخص طوال اليوم، وربطها بالمعلومات والذكريات الأخيرة ليسهل استدعاؤها، بمعنى عمل أرشيف لهذه المعلومات في المكان الصحيح، وبينت دراسة جديدة فائدة نوم القيلولة في مساعدة وتحفيز قدرات الإدراك لدى الأطفال على التعلم، وانتهت الدراستان إلى أن الشخص يحتاج إلى متوسط 8 ساعات لتحسين علم الذاكرة، ومن أفضل أساليب تذكر المعلومات هي طريقة استذكار المعلومات قبل النوم مباشرة، حتى يتم تخزينها أثناء فترة النوم بشكل جيد.
مشاركة :