دوافع سياسية واقتصادية للتقارب التركي – الأوروبي

  • 1/14/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. علي حسين باكير| شهدت علاقات تركيا مع الاتحاد الاوروبي تحسناً ملحوظا في الآونة الأخيرة بعد ان كانت قد تدهورت بشكل غير مسبوق منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا منتصف عام ٢٠١٦ وحتى نهاية العام الماضي، حيث بدا التراشق الإعلامي مسيطراً على خطاب الجانبين وتالياً على الإطار العام للعلاقات بينهما. في خلفية المشهد أسباب متعددة أهمها الموقف المتردد أو المتأخر لدول الاتحاد في إدانة المحاولة الانقلابية، وكذلك تشديد الضغط السياسي على أنقرة في محاولة للتأثير على الحسابات السياسية الداخلية، وأخيراً الاصطفاف العلني مع المعارضة التركية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في الاستفتاء الكبير الذي جرى في أبريل من عام ٢٠١٧. وقد زاد من حدّة الخلافات بين الجانبين حينها، الاستحقاقات الانتخابية داخل الدول الاوروبية نفسها، حيث بدا التهجّم على تركيا والسياسات التركية امراً شعبوياً رائجاً، دون أن ينفي ذلك وجود خلافات حقيقية حول جملة من القضايا الثنائية والإقليمية. ومع انتهاء الاستحقاقات المشار إليها وبروز عوامل جديدة على الصعيد الإقليمي والدولي، بدا أنّ المناخ مهيأ لتقارب بين الطرفين يجسر الهوّة الموجودة بينهما. السوق الأكبر في خلفية الدوافع التركية، هناك حاجة الى إعادة رسم طبيعة العلاقة مع القوى الكبرى في ظل الحالة غير المتوازنة وغير المستقرة التي تطبع العلاقات مع الولايات المتّحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وهي حالة تضع المصالح التركية إقليميا على المحك، نظراً للدور الذي تلعبه هذه القوى في منطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي. العامل الاقتصادي ربما يكون الأكثر اهميّة في الحسابات التركية، اذ تعتبر أوروبا السوق الأكبر لتركيا، حيث تصدّر أنقرة الى الاتحاد الاوروبي سلعا وبضائع بقيمة حوالي ٦٧ مليار يورو، وتستورد منه بقيمة حوالي ٧٨ مليار يورو، ناهيك عن الخدمات، حيث تصدر تركيا خدمات الى الاتحاد بقيمة ١٦.٤ مليار يورو، بينما تستورد منه ما قيمته حوالي ١٢.٢ مليار يورو. ويحظى العامل الاقتصادي بأهمية قصوى بالنسبة الى الحزب الحاكم في تركيا على اعتبار انّ القسم الأكبر من المنجزات الداخلية تستند إليه، ولذلك هناك حاجة دائمة الى أن يكون الوضع الاقتصادي متيناً. لكن وبسبب الاوضاع الإقليمية، فقد تعرّض الاقتصاد التركي لضغوط كبيرة مؤخراً، سيما انّ منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا تعتبر ثاني أكبر سوق بالنسبة الى تركيا. وبالرغم من تحقيق الاقتصاد التركي أكبر نسبة نمو في العالم في الربع الثالث من عام ٢٠١٧ وذلك بواقع ١١.٦٪، الا انّ الحكومة ترى انّ هناك حاجة لبذل المزيد، خاصّة مع تدهور العلاقات التركية – الاميركية من جهة، وعدم استقرار العلاقات التركية – الروسية من جهة أخرى. معطيات سياسية سمحت الرسائل الايجابية المتبادلة مؤخراً بين المسؤولين الاتراك ونظرائهم الأوروبيين، لا سيما في ألمانيا وفرنسا بتسريع زخم التقارب بين الطرفين، وحققت زيارة وزير خارجية تركيا الى ألمانيا التي تلتها زيارة الرئيس اردوغان، الى فرنسا نتائج إيجابية في هذا الصدد، ومن المتوقع ان يكون لها انعكاسات مهمّة على العلاقات بين الجانبين. وبالرغم من انّ العنصر الاقتصادي يعتبر الأكثر اهميّة في الحسابات التركية كما ذكرنا، فإنّه ليس الوحيد. المعطيات السياسية في العلاقة مع أميركا وروسيا حالياً تفرض على أنقرة تحسين العلاقات مع أوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة الى الجانب الأوروبي، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الشائكة في فلسطين وسوريا والعراق، وكذلك فيما يتعلق باحتواء سياسات الرئيس دونالد ترامب غير المتّزنة حول العالم. الاتحاد الأوروبي لا يريد ان يخسر تركيا أيضاً لصالح روسيا، فهذه معادلة لا يمكن له ان يتحمّل تداعياتها الجيوبوليتيكية، في وقت بات فيه التهديد الذي تمثّله موسكو على القارة الأوروبية أكبر من أي وقت مضى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ولذلك تحاول دول الاتحاد الا تترك أنقرة تنجرف بشكل كامل باتجاه روسيا. لا يعني ذلك انّ المشاكل بينها وبين تركيا ستحل بشكل كامل أو قريب، لكننّا سنشهد بالتأكيد عقلنة لطريقة التعامل مع الملفات الشائكة ومحاولة للتركيز على الملفات والمصالح المشتركة والبناء عليها رويداً رويداً. عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لا تزال امراً جدلياً، لكن هناك من يرى أنّها لا تقف حائلاً أمام تطوير علاقات ثنائية مميزة مع عدد من دول الاتحاد الى انّ يتم البت بها، ولا شك انّ تحسّن العلاقات التركية – الأوروبية هو أمر جيّد بالنسبة الى انقرة لكنّه ليس كافياً لكي تضمن الأخيرة تحييد التداعيات السلبية للاختلاف الحاصل في العلاقة مع الإدارة الاميركية او حالة عدم الثقة المبطّنة في العلاقة مع روسيا. هناك حاجة لكسر هذه الحلقة المفرغة، لكن من الصعب توقع حصول ذلك على المدى القصير.

مشاركة :