منذ ما يقرب من شهرين، بدأ الجيش الأميركي في قصف مواقع وتجمعات قوات ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية" في العراق وسورية (داعش)، دون موافقة الكونجرس؛ فإلى متى تستخدم الولايات المتحدة العمل العسكري لهزيمة هذا التنظيم؟ يُصر البيت الأبيض على أن لدى الرئيس باراك أوباما السُلطة الكاملة لتنفيذ هذه الحرب – متى ما استدعى الأمر - دون إذن من الكونجرس الأميركي. لكن هذه السلطة الكاملة ليست صحيحة في نظر أعضاء قياديين بمجلس الشيوخ الأميركي والكونجرس. ولقد وقف خبراء دستوريون إلى جانب ألا يكون لدى الرئيس أوباما السلطة لمواصلة الحرب على داعش، سواء في سورية أو العراق، دون تفويض من الكونجرس. ومن جانبه يقول وزير الدفاع الأميركي تشاك هاجل إن هناك شيئاً واحداً مؤكداً هو: أن الرئيس الأميركي لا يملك أموالاً غير محدودة لخوض هذه الحرب التي تكلف ما بين 200-300 مليون دولار في الأسبوع. واستطاع وزير الخارجية جون كيري والرئيس أوباما إقناع قادة دول أخرى للانضمام إلى الولايات المتحدة في تحالف عسكري ضد تنظيم داعش. والتزم الحلفاء بخوض المعركة قولاً وفعلا. وعلى الرغم من أن بعض أصدقاء الولايات المتحدة، لا سيما تركيا، رفضوا المشاركة، إلا أن الشكل العام لقاعدة الائتلاف تبدو عريضة. علماً بأنه يحق لشركاء الولايات المتحدة التعرف على النقاش الذي يدور داخل الولايات المتحدة بشأن هذا التحالف، نظراً لأهمية ذلك بالنسبة للدول المنضمة إليه. يجب ألا ينخدع أحد من قلة النقاش في الوقت الحالي الذي يسوده الصمت، لأن أعضاء الكونجرس الآن خارج واشنطن استعداداً للانتخابات العامة في 4 نوفمبر المقبل. وبعد إجراء تلك الانتخابات، سيكون للكونجرس سلطة قطع تمويل الحرب، مثلما فعل عام 1970 في فيتنام. كما أن لدى الكونجرس سلطة الضغط على الرئيس، مثلما فعل أيضاً في أغسطس وسبتمبر عام 2013، عندما أوقف إعلان الرئيس بأنه سيشن عملاً عسكرياً ضد النظام السوري، إذا استخدم الأسلحة الكيميائية، وإذا تجاوز الأسد "الخط الأحمر". كما باستطاعة الكونجرس المطالبة بإقالة الرئيس، علماً بأن اقتراحاً بهذا الشأن تقدَّم به النائب الجمهوري من ولاية كارولينا الشمالية، والتر جونز، العام الماضي، إذا لجأ الرئيس إلى حرب مرة أخرى دون موافقة الكونجرس. في يوليو الماضي، بدأت مناقشات ساخنة بشأن عمل عسكري ضد داعش، وكانت تلك المناقشات تميل نحو منع هذا العمل. ولكن بعد قطع رأسي صحفييْن أميركييْن بصورة بشعة، تلاهما قطع رأس عامل الإغاثة البريطاني، تحول الرأي العام باتجاه دعم حرب قصيرة ضد داعش باستخدام القوة الجوية فقط. أما إلى متى سيؤيد الرأي العام حرب الرئيس، فليس بالشيء الذي يمكن التنبؤ به بسهولة. ولكن إذا حدثت هناك خسائر كبيرة للولايات المتحدة، فيمكن أن يتحول هذا الرأي إلى حالة سلبية وبسرعة فائقة. في 11 أغسطس الماضي، دان النائب الديموقراطي لولاية فلوريدا، آلان جرايسون، الذي يُعد أول مسؤول منتخب يدين علناً إعادة قصف أوباما للعراق، وقد أعلن جرايسون تلك الإدانة في مقال بعنوان "السيد الرئيس: عندما يكون المال مالنا والدماء دماءنا، فينبغي أن يكون القرار قرارنا". ولقد أثار مقال جرايسون قضية قرار مجلس النواب رقم 105، الذي تم التصويت عليه في 25 يوليو. ويُذكِّر ذلك القرار أوباما بأن الكونجرس، وليس الرئيس، هو الذي يملك وحده السلطة الدستورية لإعلان الحرب. وتمت الموافقة على هذا القرار بتصويت ساحق نال 370 مقابل 40 صوتاً. وجادل النائب جرايسون بلباقة ضد تجديد الحرب على العراق، مشيراً إلى استطلاعات الرأي العام الأخيرة التي تُظهر معارضة الولايات المتحدة، وقال إنه يقف مع الشعب الأميركي. وأضاف "نحن جميعاً نعرف تاريخ غزو الجنود الأميركيين واحتلالهم العراق، بحثاً عن "أسلحة الدمار الشامل" التي لم يكن لها أثر هناك. لقد كلفتنا تلك الحرب التي استمرت 10 سنوات حياة 4425 جندياً أميركياً، وخلفت ما يقرب من 250 ألف معاق دماغياً وغير ذلك من الإعاقات الشاذة. وبلغت جملة تكلفتها نحو أكثر من تريليوني دولار أميركي– أي حوالي 2.5٪ من صافي دخلنا القومي المتراكم على مدى 200 سنة، أليس هذا كافيا؟ وتحدث أيضاً عضو الكونجرس الجمهوري من ولاية كاليفورنيا، رئيس لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية، إد رويس، يوم 25 يوليو الماضي، قائلاً "أعتقد أن جميع الأعضاء يتفقون معي بقوة على أنه إذا أمر رئيس الولايات المتحدة القوات المسلحة الأميركية بقتال مستمر في العراق، فإنه يجب عليه أن يأتي إلى الكونجرس للحصول على ترخيص قانوني واضح ومدعوم بأغلبية أعضائه". لقد مرَّ أكثر من شهرين منذ يوم 25 يوليو الذي دار فيه هذا النقاش. ولقد تم بالفعل إنفاق مئات ملايين الدولارات من أموال الضرائب الأميركية، بينما الرئيس أوباما غارق في انتقادات حادة لقوله إنه "يُرحب" بدعم الكونجرس، دون "الحاجة" لترخيص مسبق لشن حربه على داعش. ومع نمو تكلفة الحرب، ترتفع موجة المعارضة. فالأميركيون ليست لديهم ثقة في أن الرئيس يقول الحقيقة. فلقد ادعى البيت الأبيض أن تنظيم القاعدة قد تدهور لدرجة أن عناصره لم تعُد تُشكل مستوى التهديد الذي فعلته عام 2001. والآن، ها هو البيت الأبيض يقصف بالقنابل داعياً جميع الدول المتحضرة للانضمام إلى الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش الذي يُعد نسخة من تنظيم القاعدة في العراق. في 29 سبتمبر المنصرم صرح السيناتور تيم كين، ديموقراطي من ولاية فرجينيا ويعمل في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، قائلاً "ليس من المفترض أن نبدأ حرباً دون موافقة الكونجرس". ويُشار إلى أن السناتور كين هو الذي أعد مشروع القانون الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية والذي من شأنه أن يأذن للرئيس أوباما بتنفيذ الحرب الجوية ضد داعش - لفترة محدودة. ومن شأنه أيضاً أن يُبطل قانون2001 الذي أذن بحربي أفغانستان والعراق. علماً بأن هناك حوالي خمسة مشاريع قوانين أخرى مماثلة أمام الكونجرس ومجلس الشيوخ تحدد وتُعرف بوضوح أي نوع من الحرب يشنها أوباما الآن. لا يزال غزو العراق الذي لا يحظى بشعبية، والحرب الطويلة في أفغانستان (2001-2014) يطاردان الرئيس أوباما. ففي الأسبوع الماضي، نشرت مجلة "الإيكونوميست" اللندنية المرموقة على غلافها صورة ساخرة للرئيس أوباما وهو يرتدي زياً كاملاً لطيار، تحت عنوان "مهمة إعادة شن حرب"، مما يُعد ذكرى مُحزنة لخطاب "نصر سابق لأوانه" ألقاه جورج دبليو بوش في مايو 2003، وهو على ظهر البارجة "يو إس إس ابراهام لينكولن"، رافعاً لافتة ضخمة مكتوب عليها "المهمة أنجزت". الحرب عمل جاد، ولهذا فإن حرباً دولية ضد داعش يجب أن تحدُث، ويمكن الانتصار فيها؛ لكنها يجب أن تكون مبنية على أساس متين، وهو بالنسبة لأوباما أن تكون وفقاً لدستور الولايات المتحدة الأميركية.
مشاركة :