اتسم عام الرئيس دونالد ترامب الأول في السلطة بالفضائح والجدل والاستقطاب والتصريحات المدوية، ما غير بشكل واسع الأسلوب الذي يتفاعل من خلاله الأمريكيون مع رئيسهم. وقال ترامب لدى دعوته الصحفيين لإحدى غرف البيت الأبيض لإيجازهم عن عامه الأول في السلطة، «مرحبا بكم في الاستوديو»، في تعليق طريف قد يوحي بالكثير. فلمدة عام الآن، تابع العالم وأمريكا بذهول وأحيانا بذعر نهج ترامب. وبشكل لم تشهده سياسات أخرى لأسلافه، أسر أسلوبه العالم وأثار الاستياء أحيانا أخرى. ويرى الأستاذ المتابع لمسألة التواصل الرئاسي في جامعة تاوسن ريتشارد فاتز، أن «خطاب دونالد ترامب، لا يشبه خطاب أي رئيس في العهد الرئاسي الحديث». وأضاف، «إنه يتواصل باستمرار أكثر ويبدو مهتما بشكل أقل بعواقب خطابه من أي رئيس في هذه الحقبة». فقد وصف ترامب نفسه، بأنه «عبقري مستقر»، وتارة أخرى وصف بلدانا يأتي منها المهاجرون بأنها «حثالة»، بينما لم يتردد في كيل الاتهامات وتهديد خصومه السياسيين. وفي حين حاول العديد من الرؤساء الالتفاف على انتقادات وسائل الإعلام، انطلاقا من دردشات فرانكلين روزفلت قرب المدفئة وصولا إلى لقاءات باراك أوباما مع مستخدمي «يوتيوب»، استخدم ترامب موقع «تويتر» بشكل نشط للغاية. ونادرا ما غاب عن عناوين الصحف والبث التلفزيوني، متغلغلا في جميع نواحي الحياة العامة. وبينما يؤيد أنصاره أسلوبه الرافض لكل ما يعتبره كلاما فارغا، يثير ترامب غضب معارضيه مع كل تصريح صادر عنه يرون فيه انتهاكا أخلاقيا.«الأخبار الكاذبة» وأضفى الرئيس الذي يميل للاستعراض على قراراته ذات الوزن الجيوسياسي الكبير إثارة تستحق تصنيفها بأنها مشهد ختام الموسم، على غرار قراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني أو وضع القدس. ويتطرق عادة إلى «التقييمات» المرتبطة بفترته الرئاسية والتغطية الإعلامية أكثر من أية مسألة أخرى. ولم تعد تصريحاته تؤخذ بحرفيتها، سواء ارتبط ذلك بحجم الحشد الذي حضر مراسم تنصيبه، أو إن كان بشأن نيته الفعلية المضي قدما بتعهده سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ. وفي هذا السياق، يشير المفاوض السابق في قضايا الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر، إلى أن الفجوة بين تصريحات الرئيس الأمريكي والحقيقة تعد مشكلة بالنسبة لباقي العالم. وقال ميلر، «يتساءل حلفاؤنا وخصومنا: إلى أية درجة يمكن الوثوق بالرئيس وما مدى مصداقيته؟ هل يعني ما يقول وهل يقول ما يعني؟». وكتب ترامب كرئيس أكثر من 180 تغريدة عن «الأخبار الكاذبة»، ونحو 170 عن شبكة «فوكس نيوز» وحدها التي تشيد به، وفقا لمعاونيه، ما يشكل دعما نفسيا له. ورغم التباهي المبالغ فيه، لطالما بدا قطب العقارات البالغ من العمر 71 عاما، أكثر اهتماما بلعب دور الرئيس من اهتمامه بأداء مهامه. وبينما يتوجه معظم مرشحي الرئاسة إلى القاعدة الشعبية ومن ثم يوسعون دائرة اهتمامهم أثناء فترة تواجدهم في السلطة، تمسك ترامب باستراتيجية القاعدة أولا متجاهلا بشكل واسع أصداء تصريحاته في العالم. ويدون الدبلوماسيون في واشنطن ملاحظاتهم خلال الاجتماعات مع الصحفيين لا العكس. من جهتهم، أدرك زعماء على غرار الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الإطراء هو أفضل استراتيجية في التعاطي مع ترامب. وتبع آخرون هذه السياسة حيث قدم قادة من بريطانيا وصولا إلى النرويج، للبيت الأبيض حاملين معهم المديح للرئيس الأمريكي رغم عدم الارتياح الذي بدا عليهم.دراما باتت مملة ويشير البيت الأبيض إلى الإنجازات التشريعية والتحسن الذي شهده سوق الأسهم العام الماضي، حيث سجلت بورصة وول ستريت ارتفاعات قياسية بفضل إصلاحات ترامب الضريبية المفيدة بالنسبة للأعمال التجارية. لكن عام ترامب الأول شكل معضلة لمفاهيم استمرت لعقدين وساهمت في صعوده إلى السلطة، والتي مفادها أن رجال الأعمال أكثر كفاءة من البيروقراطيين والسياسيين التقلديين. وعلى امتداد معظم العام، شهد البيت الأبيض تسريبات من أنصار «العولمة»، ضد «الشعبويين»، والعكس، فيما صدرت تسريبات من الطرفين ضد الرئيس. وتراجعت حدة النميمة في أروقة البيت الأبيض مع تسلم جون كيلي منصب كبير موظفيه وطرد المخطط الاستراتيجي المثير للجدل ستيف بانون. لكن الفوضى لم تنته حيث يعود موظفون إلى العمل بعد أشهر من طردهم. ويشهد كل أسبوع مغادرة أشخاص جدد مناصبهم. وفي هذه الأثناء، ازدادت الشكوك بشأن تصرفات ترامب. فأظهر استفتاء أجرته جامعة كوينيباك، أن 69 بالمئة من المشاركين يعتقدون أنه غير متزن، فيما يرى 57 بالمئة أنه غير مؤهل للرئاسة. إلا أن الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، عمل جاهدا على الحد من العواقب السياسية. وقال فاتز، إن الرئيس الأمريكي «يرفض الاعتذار ويستخدم أسلوبه الفظ دون أي اعتذار». لكن ذلك قد يتغير في حال عثر المحقق روبرت مولر، على دليل بأن ترامب عرقل القضاء أو قام بتعاملات مالية سرية أو أن فريق حملته تعاون مع روسيا. وبإمكان فوز الديمقراطيين بأغلبية في الكونجرس في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، كذلك تغيير المعادلة. ولربما ما يقلق الرئيس أكثر هو وجود مؤشرات بأن الأمريكيين ملوا من الدراما المحيطة به. ووفقا لمؤشر «غوغل تريندز»، الذي يحفظ المعلومات المتعلقة بالبحث، تراجع الاهتمام بترامب منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني العام الماضي، حيث انخفض بنسبة 75 بالمئة عن تلك الفترة. وليس هناك ضمانات بأن ترامب سيحظى بتصنيفات مرتفعة خلال السنة الثانية له في السلطة.
مشاركة :