نشأت السوق المالية في المملكة ببدايات غير رسمية واستمر الوضع كذلك إلى أن وضعت الحكومة التنظيمات الأساسية للسوق في الثمانينات، وتأسست هيئة السوق المالية في منتصف العام 2003 للقيام بعملية الرقابة ووضع التشريعات للسوق المالية كانت البدايات غير موفقة نظراً لضعف التشريعات وانعدام الرقابة وعدم فاعلية الأنظمة والتي تسببت في كارثة الانهيار الكبير في العام 2006 بعدها شرعت الهيئة في الاستفادة من تجارب البورصات العالمية وغيرت الكثير من التشريعات والأنظمة واستقطبت أكفأ البرامج المالية وتم إنشاء شركة السوق المالية السعودية (تداول) كشركة تقدم خدمات مالية شاملة ومتنوعة ومع إطلاق رؤية المملكة 2030 أطلقت هيئة السوق المالية برنامج الريادة المالية 2020 وهو يستهدف تعميق السوق المالية وتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين، ويهتم البرنامج بتطوير البيئة التنظيمية والرقابية للأسواق المالية السعودية، لتعزيز العدالة وضمان حماية المتعاملين في السوق المالية السعودية، إضافةً إلى تعزيز الالتزام بالمعايير الدولية لأسواق المال لجعل السوق المالية المحلية أكثر جاذبيةً ومنافسةً، ونجحت الهيئة خلال السنتين الماضيتين في إحداث نقلة نوعية وسريعة جعلت من السوق السعودي في وضع المراجعة لأهم المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة مثل فوتسي راسل ومؤشر MSCI. التشريعات والأنظمة الجديدة للسوق المالية راعت توافقها مع الأسواق العالمية والهدف هو جذب الاستثمارات الأجنبية حيث غيرت تسوية الصفقات من T+0 إلى T+2 والتحول إلى معايير المحاسبة الدولية لجميع الشركات المدرجة في السوق وتغيير هيكلة القطاعات بما يتوافق مع هيكلة الأسواق العالمية وتفعيل البيع على المكشوف لزيادة حركة السيولة في السوق وتطوير نظام الاكتتابات الأولية وسجل بناء الأوامر وكذلك قامت بتطوير خدمة الحفظ المستقل لتمكين المستثمرين المؤسساتيين محلياّ وعالمياً من الحصول على حدود أفضل للتداول وتعديل الآلية المتبعة لتحديد سعر إغلاق السوق من آلية حساب المتوسط السعري لحجم التداول (VWAP) إلى آلية المزاد وأخيراً أصدر مجلس هيئة السوق المالية قراراً باعتماد القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأوراق المالية المدرجة حيث خفض بعض الشروط من أجل جذب المستثمرين الأجانب وزيادة السيولة في السوق ورفع نسبة الاستثمار المؤسسي حيث إن السوق كان يعاني كثيراً من الاستثمار الفردي الذي كان يتسبب في التقلبات الحادة. سوف تساهم الإصلاحات الأخيرة في إدراج السوق السعودي في المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة والذي كان قريباً من الإدراج في نهاية شهر سبتمبر عند المراجعة في مؤشر فوتسي راسل إلا أن وجود بعض الملاحظات التي تتعلق بنظام الحفظ المستقل أجل الإدراج إلى المراجعة المقبلة في شهر مارس وقد عدلت الهيئة هذه الملاحظات اعتباراً من 21 يناير 2018 وبات السوق السعودي مؤهلاً للدخول في مؤشر فوتسي راسل والذي بدوره سوف يساعد السوق في الدخول إلى المؤشر الأهم MSCI في المراجعة القادمة منتصف العام. ولكن هل السوق المالية السعودية بعد كل هذه الإصلاحات الهيكلية الكبيرة قادرة على جذب المستثمر الأجنبي؟ في اعتقادي نعم تستطيع لما تتمتع به المملكة من عوامل جذب مهمة مثل القيمة السوقية للشركات والتي تصل 1,7 تريلون ريال وعند طرح شركة أرامكو قد تتجاوز القيمة السوقية للمؤشر 2 تريلون ريال وكذلك مكررات الربحية والتوزيعات النقدية الجيدة والتشريعات الجديدة التي تتوافق مع المعايير العالمية كذلك إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ومحاربة الفساد وكفاءة الانفاق، ومع ذلك ما زال هنالك ثغرات في السوق يستغلها بعض المستثمرين قد تؤثر سلباً على الاستثمار الأجني ويجب على الهيئة مراجعة تلك الثغرات ومعالجتها، منها على سبيل المثال تسريب معلومات داخلية قبل الإعلان واستفادة بعض المقربين من مجالس إدارات الشركات من تلك التسريبات في عمليات الشراء أو البيع قبل الإعلان ولذلك نرى أسهماً ترتفع أو تنخفض دون مبرر لنكتشف السبب بعد أيام عند إعلان الشركة على موقع تداول وكذلك هنالك ثغرات في صياغة الإعلانات حيث يوحي بعضها إلى معلومات توهم المستثمر، وأيضاً يجب تقنين الظهور الإعلامي لمسؤولي الشركات حيث لاحظنا ظهوراً إعلامياً لبعض أعضاء مجالس إدارات الشركات في عدة قنوات يبرز فيه بعض المشروعات بشكل يوهم المستثمر بأن هنالك نقلة نوعية للشركة ويرتفع على أثر ذلك سهم الشركة إلى أرقام قياسية، أيضاً هنالك حاجة إلى تفعيل دور الجمعيات العمومية لمحاسبة مجالس إدارة الشركات وعزلها إن لزم الأمر وأيضاً تحديد مدة لا تزيد عن دورتين لبقاء عضو مجلس الإدارة وإحلال أعضاء جدد لتغيير الفكر السابق الذي قد لا يتماشى مع التطورات والأنظمة الجديدة وكذلك اختيار أعضاء مجلس الإدارة وفق معايير محددة بحيث يكون نصف الأعضاء لديهم تخصص علمي أو خبرات تتوافق مع مجال عمل الشركة والنصف الآخر لديهم تخصصات في المالية والتسويق والموارد البشرية لزيادة فاعلية مجالس الإدارات وقدرتها على مواجهة التحديات ورسم الخطط الاستراتيجية وفق أسس علمية بعيداً عن الاجتهادات غير الموفقة والتي تسببت في خسائر كبيرة لبعض الشركات وخروجها من السوق. *محلل مالي حسين بن حمد الرقيب*
مشاركة :