قال الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي، أستاذ اللغة بجامعة قناة السويس، إن المُلحدين يقعون في إشكاليات ويشككون في بعض الآيات القرآنية نظرًا لفهمهم الخاطئ لنصوص اللغة العربية.وأضاف «داود» خلال ندوة بموقع «صدى البلد»، في إجابته عن سؤال يوجهه الملحدون «هل الله هو مَنْ أغوى الشيطان كى لا يسجد ويقوم الخلاف بينه وبين الإنسان ولماذا يحدث هذا، واستدلوا بما ورد في القرآن الكريم على لسان إبليس: «قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ(37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39) (سورة الحجر).وأوضح الداعية الإسلامي، أن المعنى في «أَغْوَيْتَنِي» هذا باب فى قواعد البلاغة العربية اسمه: «فن المشاكلة»، ومعناه ذكر الشىء أو المعنى بلفظ غيره لوقوعه فى صحبته؛ لإيقاظ العقل ولفت الانتباه وبيان أن الجزاء من جنس العمل، ولقد شاءت حكمة الحكيم أن خلق الإنسان حرًّا مُختارًا، فالإنسان حيث يضع نفسه، فإن اختار الطاعة والذكر نال الجزاء المناسب لذلك «فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ» ومعنى «أذكركم» هنا ليست بمعنى «فاذكرونى».وبيّن أن «فاذكرونى» أي بالذكر القولي سبحان «الحمد لله... القرآن... إلخ»، وبالذكر العملي وهو فعل الطاعات والصالحات، أما معنى، «أذكركم»: أي أذكركم بالتوفيق والقبول والتأييد والحفظ والمنازل العالية والدرجات الرفيعة يوم القيامة وهكذا، وهذا الأسلوب مألوف لدى العرب، كما فى قول الشاعر: «من بلغ أفناء يعرب كلها إني بنيت الجار قبل الدار».وتابع: فالذى سوَّغ بناء الجار هو بناء الدار ومنه قول الشاعر: قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه قلت: اطبخو لي جبَّة وقميصًا فالذى سوغ (اطبخو لى جبة وقميصا) وهما لا يطبخان هو وقوعهما فى صحبة كلمة (نجد لك طبخه).وأكد أن القرآن كتاب مُحكم يفسر بعضه بعضه وبتدبر الآيات التى قبلها فى سورة الحجر يظهر الحق، وبتدبر هذه الآيات: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 26 وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ27 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ29 فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30 إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ31 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 32 قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 33 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 34 وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ35 قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ36 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ37 إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 38 قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ39 إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ40» (سورة الحجر).وأشار إلى أنه بتدبر الآيات ترى أن الخالق بعد أن بَيَّن أنه من طلاقة قدرته أنه خلق نوعين مختلفين، كل نوع له نظامه الخاص فى الخلق، وكما أن صانع الصنعة هو الأعلم بأفضلية صنعة على أخرى، فهكذا - ولله المثل الأعلى - الله أعلم بما خلق وبما خلقه له، وهكذا شاءت حكمة البارى أنه خلق الجان من نار السَّموم، ثم الإنسان من صلصال من حمإ مسنون، وحين خلق الإنسان أمر الملائكة بالسجود لهذا المخلوق الجديد «الإنسان» واستجابت الملائكة كلهم أجمعون لأمر الخالق الحكيم، لم يتخلَّف عاصيًا متمرِّدًا على الخالق إلا إبليس حيث أبى أن يكون من الطائعين.. تكبُّرًا أو غرورًا لأنه رأى أنه خُلق من أصلٍ «النار» أَفضل من أصل خلقة آدم «التراب» ولم ينظر إبليس إلى عظمة الآمر وحكمته.واستطرد: فاستحق الطرد بمعصيته، واستوجب اللعنة لعناده وِكبْره ثم سأل الله بعد ذلك أن يمد له فى البقاء إلى يوم الدين؛ فاستجاب الله له، وهكذا إبليس هو الذى اختار، هنا قال إبليس «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ».ولفت إلى أن «أغويتنى» هنا فى هذا السياق يفسرها كل ما ذُكر قبلها: إن إبليس اختار المعصية وسأل الله البقاء والإمهال إلى يوم القيامة فاستجاب الله له، فاعتبرها إبليس فرصة للانتقام من عدوه الذى تسبب «بحسب ظن إبليس» فى طرده وَلعْنته فقال: «لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»، مضيفا فـ«لأُغْوِيَنَّهُمْ» هنا بمعنى الإضلال وغواية الآخرين وإغرائهم بالشرور والفساد والفحشاء والمنكر والبغى، وبحسب القاعدة البلاغية فى قواعد العربية: يكون الذى سوَّغَ ذكر (بِمَا أَغْوَيْتَنِي) يعنى وصف الجزاء على المعصية بالغواية هو وقوع هذا المعنى فى صحبة كلمة لأغوينهم، وفى هذا لفت للانتباه من جانب، ومن جانب آخر فيه بيان لتدليس إبليس وتخبطه حتى فى حواره مع الخالق؛ لأن الآية جاءت حكاية عن قول إبليس فى حواره مع الخالق.
مشاركة :