تعترض عجوز سبعينية طريق زوار مهرجان ربيع بريدة 39، وتصدح بموسيقاها "الإنجليزية"، لتدعو كبار السن والكهول، ليستذكروا معها أياماً خلت، كانت هي نديمتهم وجليستهم، ومصدر عيشهم وبقائهم. فما أن يخطو زائر المهرجان خطواته الأولى عبر البوابة الجنوبية، حتى يتراءى له من بعيد ماكينة "البلاك ستون" الإنجليزية الصنع، متربعة في قلب "الفْلاحِة/المزرعة" ليقف مجبراً لسماع صوتها عبر "ماسورة" طرد العادم "الشكمان" وهي تطلق أصواتها التي لا يطرب لمقامها ولحنها إلا كهل أمضى من عمره عقوداً. ماكينة "البلاك ستون" التي تقوم بإخراج الماء من باطن الأرض؛ لتسقي به المزارع و"الفلايح" قبل أكثر من 70 عاماً، وإبان بداية عصر النهضة والتطور الزراعي للمملكة، عادت من جديد عبر فعالية "الفْلاحة" في مهرجان ربيع بريدة التي تمثل حياة المزرعة القديمة، وكيف كان أهل القرى يعيشون في مزارعهم، ويتعاملون معها كمصدر بقاء لهم في الحياة. وتحدث عبدالرحمن المريشد المشرف المسؤول على تشغيل ومتابعة وصيانة ماكينة البلاك ستون "العجوز"، عن قيمة ورمزية تلك الماكينة، قائلاً: "كان دخول الماكينة للمملكة قبل أكثر من سبعة عقود فتحاً مبيناً في مجال الزراعة والري، بعد أن كان المزارع يعتمد على الحيوان في استخراج الماء، عبر السواني وغيرها". وشبَّه "البلاك ستون" ورجال ذلك الزمن وكأن المزارع يتغنى بحسناء غانية، عاد معها إلى ريعان الشباب، فغلبه حنينها، وزفرات عشقها، وتجده دوماً يلازمها، وفي يده "خرقة قماش" ليباشر زيوتها ووقودها، وكأنه يعمل على تزيينها بمساحيق المكياج، وعطور العود، ليصف صوتها المدوي في أرجاء المهرجان بأنه يقع على مسامع كبار السن كوقع السيمفونية عند أهل الموسيقى. ويصف "المريشد" حالة الإقبال التي تجدها تلك الماكينة بالوقوف والفرجة عليها من قبل زوار المهرجان، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، بأنها حالة تستدعي بذل المزيد من الجهد، والحرص على إبراز مظاهر العمل في المزارع قديماً بوجهها الحقيقي والقريب جداً من الواقع القديم؛ كي تستمر تلك الذكرى متداولة ومنقولة من جيل إلى جيل.
مشاركة :