الحدث التونسي يقسم وسائل الإعلام بشأن أولويات التغطية الصحافيةتشعبت قضية تغطية وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في تناول الاحتجاجات التونسية، بين الإشادة بالصحافة الوطنية وضرورة تحليها بالوعي وعدم تضخيم الحدث، وبين من اعتبرها ترتمي في أحضان السلطة، ليمتد الجدل إلى الصحافة الأجنبية والاتهامات بتقييد مراسليها في البلاد من جهة، وتعاطيها لما يجري بطريقة غير منصفة من جهة أخرى.العرب [نُشر في 2018/01/17، العدد: 10872، ص(18)]الأصوات لا تحتاج إلى تضخيم تونس - تباينت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في توصيف الاحتجاجات الأخيرة في تونس، وطريقة تغطيتها بسبب ما شابها من أحداث شغب أدّت إلى الإضرار بممتلكات عامة وخاصة، وهذا ما جعل التغطية انتقائية في بعض الأحيان بين وسائل ركزت على أحداث الشغب باعتبارها الحدث الرئيسي، وبين من اعتبر الاحتجاجات وأسبابها ومبرراتها، هي جوهر الخبر والأحق بالتركيز عليه. وتزايد الجدل بعد تصريحات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حول الصحافة الأجنبية، إذ اتهمها بتهويل وتشويه ما يجري في تونس، وقال في اجتماع ضمّ أحزابا ومنظمات وطنية، الأسبوع الماضي، “إن بعض الأمور وقع تهويلها من الصحافة الأجنبية التي تتوجه لها بعض الحساسيات (الأطراف) السياسية ظنا منها أنها أكثر تأثيرا على السلطة”. وأضاف أن “ذلك غير صحيح وأن ما يؤثر على السلطة أكثر في تونس هو الصحافة الوطنية التي كانت معتدلة في نقل الأحداث الأخيرة”. وذكر أن بعض الأطراف في الخارج وبعض الإعلام الأجنبي شوّها صورة تونس أكثر من اللازم لأنه توجد في تونس أطراف تدفع إلى ذلك”. وانتقدت نقابة الصحافيين التونسيين هذه التصريحات، في بيان تحدثت فيه عما اعتبرته تصعيدا لـ”الانتهاكات” و”المضايقات” و”محاولة تدجين” مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية. وقالت النقابة إن التشدد في مراقبة مراسلين يغطون الاحتجاجات كما لوحظ الأحد الماضي، وكذلك توقيف صحافي فرنسي لفترة قصيرة، يأتيان بعد تصريحات الرئيس التونسي الذي انتقد السبت، تغطية الصحافة الأجنبية للاحتجاجات الاجتماعية. وأضافت في بيانها “تزايدت الانتهاكات والتضييقات في حق الصحافيين المراسلين لمؤسسات الإعلام الدولية في تونس مؤخرا”.سكينة عبدالصمد: المادة الإعلامية اقتصرت على الأخبار دون التحليل لتنوير الرأي العام وكان نادي المراسلين الأجانب في شمال أفريقيا قد عبّر مساء الأحد عن “قلقه” إزاء “ضغوط متزايدة” يتعرض لها الصحافيون الأجانب العاملون في تونس. وعبّر عن استنكاره لتوقيف مراسل إذاعة فرنسا الدولية لفترة قصيرة حين كان يغطي زيارة الرئيس قائد السبسي لحي شعبي بالعاصمة. واحتج على استدعاء مراسل صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية الخميس إثر تحقيق في مدينة قرب العاصمة شهدت مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن. بدورها نددت منظمة “مراسلون بلا حدود” الجمعة، بالضغوط على الصحافيين. وقالت إن صحافيا يعمل لـ”تونيسيا ريفيو” كان يغطي تظاهرة، تمت مصادرة هاتفه لأيام من قبل شرطي حين كان يبث ريبورتاجا مباشرا. وصرحت ياسمين كاشا، مديرة مكتب شمال أفريقيا في المنظمة، “إن هذه الانتهاكات لحرية الإعلام من قبل ممثلي قوات الأمن غير مقبولة في دولة ديمقراطية مثل تونس”، مؤكدة على ضرورة “تمكين الصحافيين من تغطية المظاهرات الجارية حالياً في البلد بكل حرية”، داعية في الوقت ذاته “السلطات إلى عدم عرقلة عملهم”. ودعت “مراسلون بلا حدود”، الصحافيين الذين يغطون المظاهرات إلى الاطلاع على توصياتها بشأن السبل نحو تحقيق “حوار أفضل بين الصحافيين والشرطة”. وتحتل تونس المرتبة 97 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته “مراسلون بلا حدود” في عام 2017، وتعتبر في المرتبة الثانية عربيا بعد موريتانيا. ورغم إشادة الرئيس التونسي بالصحافة الوطنية في تناولها للأحداث إلا أن نقابة الصحافيين، توجهت بملاحظات لطريقة تعاطي بعض وسائل الإعلام المحلية لهذا الشأن، وقالت عضو نقابة الصحافيين التونسيين سكينة عبدالصمد إن التناول الإعلامي للاحتجاجات الاجتماعية كان متذبذبا وموجها في جانب كبير منه سواء عن قصد أو غير قصد إلى مستوى ربط التحركات بعملية النهب والسرقة. وأشارت عبدالصمد إلى اقتصار المادة الإعلامية على الأخبار دون البحث والتحليل لتنوير الرأي العام التونسي. من جهته، قال هشام السنوسي عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، إن هيئة الإعلام العمومي دعت إلى الحفاظ على استقلاليته والنأي بالنفس عن التجاذبات السياسية، عبر ضمان حضور مختلف الحساسيات السياسية والفكرية والمدنية بما يلبي مبدأ التعدد والتنوع، مشيرا إلى وجود تحفظات حول تعاطي التلفزيون الوطني مع الأحداث الأخيرة. لكنه أشاد بعدم تسجيل أي شكاوى حول تعرض أي صحافي من الذين واكبوا تغطية الاحتجاجات الأخيرة لأي اعتداءات جسدية أو معنوية. ويبدي بعض الصحافيين في تونس وجهة نظر مختلفة حول طبيعة التغطية للأحداث، إذ يعتبرون أن واجبهم المهني والوطني يحتم عليهم توخي الحذر وتجنب السقوط في فخ التهويل الخبري للاحتجاجات، بالتقليل من حجمها والانصراف عن ذكر أسبابها. ويرون أن التركيز على خطاب إعلامي يبخسها، يعدّ واجبا وميزة للصحافي المحترف، خاصة عندما تكون الأجواء مشحونة باحتقان شعبي وتحركات غاضبة، وفق ما ذكرت الصحافية يسرى شيخاوي. ومنذ انطلاق الاحتجاجات دعت النقابة، الصحافيين العاملين على تغطية الأحداث بضرورة “التحلي بالموضوعية والتوازن في نقل الخبر، وتوخي الحذر والتحضير الجيد قبل الانطلاق للتغطيات (استطلاع تفصيلي لمنطقة الاحتجاجات والتنسيق مع المتظاهرين وقوات الأمن)، فضلا عن ارتداء الشارات المميزة لهم والاستظهار ببطاقاتهم المهنية عند الطلب”.
مشاركة :