قرر حزب مشروع تونس الانسحاب من وثيقة قرطاج على خلفية "عدم التزام الحكومة ببنود الوثيقة"، مطالبا رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ"فك ارتباطه" بنداء تونس وتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة. وقالت خولة بن عائشة عضو المكتب التنفيذي المكلفة بالعلاقات الخارجية بحزب مشروع تونس "إن قرار سحب الثقة من الحكومة والانسحاب من وثيقة قرطاج اتخذه المكتب السياسي للحزب خلال اجتماعه يوم السبت الماضي". وأوضحت في تصريح لمراسل ميدل ايست أونلاين أن "بيان قرار سحب الثقة من الحكومة والانسحاب من وثيقة قرطاج جاهز". وإجابة عن سؤال بشأن الدوافع التي تقف وراء تأخير نشر البيان قالت بن عائشة "خيرنا عقد مؤتمر صحفي الخميس 18 يناير(كانون الثاني) لا فقط للإعلان رسميا عن قرار سحب الثقة والانسحاب من وثيقة قرطاج وإنما أيضا لتقديم تقييم دقيق ونزيه لمدى التزام الحكومة بالوثيقة". وبانسحاب مشروع تونس من وثيقة قرطاج ارتفع عدد الأحزاب المنسحبة إلى 4 وهي حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري وحركة الشعب من أصل 9 أحزاب وقعت عليها. وأسست وثيقة قرطاج لتوافق سياسي بما تضمنته من أولويات منها التركيز النمو الاقتصادي وعلى التنمية والتشغيل ومحاربة الفساد والإرهاب. وتعد الوثيقة التي تم إعدادها في يوليو/تموز 2016 المرجعية السياسية والبرامجية للحكومة التي راهنت على مفهوم الوحدة الوطنية بهدف توفير الاستقرار الحكومي والسياسي والاجتماعي. وكشفت بن عائشة أن حركة مشروع تونس "ركزت لجنة تكفلت بتقييم بنود وثيقة قرطاج بندا بندا وأيضا بمدى مدى التزام الحكومة بتنفيذها"، مشيرة إلى أن "اللجنة توصلت إلى أن الحكومة لم تتقدم في إنجاز تلك البنود ولم تلتزم بها". وأكدت أن "الحزب سيقدم خلال المؤتمر الصحفي (المرتقب عقده الخميس) تقييما دقيقا وموضوعيا بالاعتماد على مؤشرات وأرقام تؤكد أن حكومة الشاهد لم تلتزم ببنود وثيقة قرطاج لنؤكد مشروعية سحب ثقتنا من الحكومة والانسحاب من الوثيقة". وطالبت بن عائشة الشاهد بالاستقالة من حزب نداء تونس وتركيز حكومة كفاءات وطنية من التكنوقراط غير المتحزبين بعد أن تم تحزيب مراكز القرار السياسي والإداري. وشددت على أن "مراكز القرار بما فيها الولاة (رؤساء المحافظات) والكوادر العليا بالإدارة وغالبية مواقع القرار استحوذ عليها حزب نداء تونس"، لافتة إلى إن مثل هذا الاستحواذ "غير مقبول لأنه يهدف إلى تحزيب مؤسسات الدولة". وتنسجم انتقادات بن عائشة مع غالبية اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية التي تطالب بـ"تحييد مؤسسات الدولة ومراكز القرار الحكومي عن الأحزاب السياسية لتقف الدولة على نفس المسافة من جميع التونسيين مهما كانت توجهاتهم السياسية". ويقول أخصائيون في العلوم السياسية إن "قرار مشروع تونس زاد في تجريد الحكومة من هويتها كحكومة وحدة وطنية"، مشددين على أن "مفهوم الوحدة الوطنية باتت في مهب عاصفة سياسية لا تقل خطورة عن عاصفة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد". وكان محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس قد أعلن مرارا في تصريحات لوسائل اعلام محلية أن حكومة يوسف الشاهد لم تعد حكومة وحدة وطنية. وقال سامي مصمود أستاذ العلوم لسياسية بالجامعة التونسية "إن قرار حزب مشروع تونس جاء ليؤكد أن الطبقة السياسية اقتنعت بأن الحكومة فشلت في إدارة الشأن العام بناء على ما تضمنته وثيقة قرطاج". وتابع في تصريح لمراسل ميدل ايست اونلاين "إن القرار يعكس موقف جزء هام من اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية ولا يعكس موقف الحزب فقط"، ملاحظا أنه "لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال الحديث عن الوحدة الوطنية". ويتوقع مراقبون أن يقود قرار مشروع تونس إلى تداعيات سياسية خطيرة قد تدفع باتجاه إسقاط حكومة الشاهد خاصة وأنه من المتوقع أن تعلن أحزب أخرى انسحابها. وقال مصمود "إن حكومة الشاهد بدأت تتآكل سواء من داخل تركيبتها أو من خلال تمزق حزامها السياسي"، مشيرا إلى أنها "تقبع الآن في غرفة الإنعاش وأنها في طريقها إلى سقوط مشابه لسقوط حكومة الحبيب الصيد". غير أن مراقبين آخرين يقللون من خطورة قرار انسحاب حزب مشروع تونس من الوثيقة التي شكلت المرجعية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية، معتبرين أن تونس مرت بالعديد من الأزمات السياسية ونجحت في احتوائها ولو نسبيا". وقللت سميرة بن ساسي الأخصائية في العلوم السياسية والأستاذة بالجامعة التونسية من خطورة قرار مشروع تونس، مشددة على أنه "من الإجحاف الحديث عن موت الحكومة سريريا. وأضافت "مازالت أمام الشاهد فرصة لإنقاذ حكومته خاصة وأنه يحظى بإسناد قوي من قبل الحزبين الكبيرين المتحالفين أي النداء والنهضة". وتوقعت أن "يتوصل الشاهد المدعوم من قبل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومن تحالف نداء تونس وحركة النهضة إلى تسوية سياسية خاصة وأن البلاد لا تحتمل حاليا سقوط حكومة كثيرا ما راهن عليها معظم التونسيين لحلحلة أزمة البلاد الهيكلية". وقبل يومين شدد الأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية على أن وثيقة قرطاج تجردت من هويتها كوثيقة مرجعية للحكومة التي أفرغتها من محتواها، معتبرا أن ذلك دفع حتما إلى فشلها في توفير الحلول للأزمة. ويطالب مرزوق بثورة هادئة من الإصلاحات الكبرى وبعدم الاكتفاء ببعض الإجراءات التي اعتبرها مجرد تسكين. ورأى مراقبون أن قرار مشروع تونس بالانسحاب من وثيقة قرطاج اضافة الى انسحاب سابق لأحزاب أخرى بدأ يرسم ملامح خارطة سياسية باتجاه فرض الحد المقبول من التوازن والقطع مع الاختلال الحالي الذي ألقى بتداعيات سياسية واجتماعية خطيرة. واتهمت أحزاب المعارضة مرارا حركتي نداء تونس والنهضة بالهيمنة على القرار السياسي، ما جعل الحكومة حكومة محاصصة حزبية لا حكومة وحدة وطنية.
مشاركة :