خطاب الملك: سنجتث الإرهاب وندحر التطرف

  • 10/14/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في يوم الأحد 11 ذي الحجة/ 5 أكتوبر، عُقد في منى الاستقبال السنوي لرؤساء الدول والحكومات ورؤساء وفود الدول المشاركة في الحج. وكان اختياراً موفقاً أن يتم من خلاله بعث رسالة جديدة وقوية في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام هذا الحشد، عن مكافحة الإرهاب. خاصة الحاجة إلى مجابهة التطرف الذي يولد الكراهية ويُوفر بيئة مواتية لقبول الإرهاب. وألقى الكلمة نيابة عنه الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع. عُقد هذا اللقاء في أول أيام التشريق في مِنى، إحدى أشرف البقاع التي يقضي فيها الحجاج مناسكهم. وشارك في حج هذا العام أكثر من مليوني حاج، وتابعه مئات الملايين من جميع أنحاء العالم على شاشات التلفزيون والإنترنت. ولذلك كان اختيار لقاء منى لبثّ رسالة خادم الحرمين الشريفين عبقرياً، لأن الملايين تتابع ما يدور في المشاعر المقدسة، بما في ذلك هذا اللقاء السنوي وما يُلقى فيه من كلمات. ومن مهبط الوحي، وبين هذه الملايين من الحجاج، ذكّرهم خطاب الملك برسالة الإسلام ودعوته منذ أربعة عشر قرنا؛ بالحاجة إلى التسامح والتعايش السلمي. كما ذكرهم بأحد أهم أهداف فريضة الحج، في تطهير الإنسان "مما ران على قلبه من الذنوب والأدران لتشير بجلاء ووضوح إلى ما يعقبها من حياة جديدة يعمرها العبد بالأعمال الصالحة، وبتوثيق عرى الأخوة الإسلامية الحقة.. لا فرق بين عربي وعجمي ولا بين أبيض وأسود.. لا تشوب صفاء نفوسهم شائبة، ولا توغل صدورهم نزعة من نزعات الشيطان". وأشار خطاب الملك إلى رسالة الإسلام بـ"الدعوة إلى العيش في سلام، متفقاً في ذلك مع جوهر الديانات السماوية الأخرى في السعي إلى صيانة الإنسانية من نزق التطرف، وحقن الدم الإنساني الثمين، فقد صح عن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يطوف بالكعبة: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لَحرمةُ المؤمن أعظمُ عند الله حُرمةً منكِ.. مالُهُ ودمُه وأن نظن به إلا خيراً)". وأشار الخطاب إلى أن الطريق الوحيدة للتعايش السلمي هو الحوار، "فبالحوار تُحقن الدماء وتُنبذ الفرقة والجهل والغلوّ، ويسود السلام في عالمنا"، وعبّر عن هدف خادم الحرمين الشريفين بأن "يصبح الحوار والنقاش أساس التعامل فيما بين الأمم والشعوب". وخادم الحرمين رائد في دعوة الحوار، وتم بمبادرة منه تأسيس مركز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، في (فينا) منذ ثلاث سنوات، وأصبح الحوار بفضل تلك الجهود "ثقافة عالمية". ثم أعلن الملك رسالته بأن "المملكة لا تزال ماضية في حصار الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو، ولن تهدأ نفوسنا حتى نقضي عليه وعلى الفئة الضالة التي اتخذت من الدين الإسلامي جسراً تَعبُر به نحو أهدافها الشخصية، وتصِم بفكرها الضال سماحةَ الإسلام ومنهجه القويم". ولكن الحوار لكي ينجح يتطلب أن تكون الأجواء مهيئة لنجاحه، وهذا "يتوقف على التنشئة الأساسية للأبناء والأجيال ورعاية الشباب". وطالب الملك "أن يكون علماء هذه الأمة ودعاتها وأصحاب الفكر قدوة للشباب بإعطائهم النموذج الأمثل في الحوار والتعامل، وأن يبينوا للمسلمين جميعاً ما ينطوي عليه الدين الإسلامي من سماحة ووسطية، كما عاشها سلفنا الصالح حينما كان منهجهم السير على قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)". وأشار إلى رسالة المعلمين والمربين بأن "يهيئوا أبناءهم الطلبة لخوض حياة تقبل الآخر، تحاوره وتناقشه وتجادله بالتي هي أحسن، فالمنهج المدرسي بيئة مناسبة لتعويد الطالب على التحاور، وتعويده على أن الخلاف مهما كان يحل بالنقاش والحوار". وبين الخطاب عزم المملكة على محاربة "الغلو والتطرف وما نتج عنهما من الإرهاب، يتطلب منا جميعاً أن نتكاتف لحربه ودحره، فهو ليس من الإسلام في شيء، بل ليس من الأديان السماوية كلها، فهو عضو فاسد ولا علاج له سوى الاستئصال، وإنا ماضون في استئصاله بلا هوادة بعزم... حماية لأبنائنا من الانزلاق في مسارب الأفكار المتطرفة والانتماءات الخاصة". واستنكر الخطاب الملكي "الصمت الدولي بكل مؤسساته ومنظماته" حول ما يجري من "سفك للدماء البريئة وتشريد للمستضعفين في الأرض وانتهاك للحرمات". وقال إنه "لا سبيل إلى حقن دماء إخواننا وأبناء أمتنا وصون أعراضهم إلا بالوقوف في وجه الظلم، وجهر الصوت بالحق لرأب الصدع الذي أصاب الصف الإسلامي، ولم شتات الأمة والإبحار بها نحو بر الأمان ووحدة الموقف وجمع الكلمة، وإخماد بؤر الصراع والتناحر، وإطفاء مشاعل الفتنة، ومكامن التشرذم، ليحيا هذا العالم في أمن وسلام ومحبة". وقد قرنت المملكة هذه الكلمات القوية بالفعل، فقد شاركت مع الدول الشقيقة والصديقة في الجهود العسكرية لإضعاف تنظيم (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق. وضاعفت من دعمها للمقاومة السورية المعتدلة لتعزيز قدرتها على محاربة الإرهاب وإنهاء كابوس حكم نظام الأسد، الذي ساعد وجوده على نمو الإرهاب والتطرف. وداخلياً، عززت المملكة من جهودها في محاربة الإرهاب عن طريق اعتقال الإرهابيين وتدمير خلاياهم وتقديمهم للعدالة، وقد أشرت في مقالات سابقة إلى بعض تلك الجهود. ولكن الجزء الأصعب من هذه الحرب على الإرهاب هو مجابهة التطرف والغلو اللذين يولّدان الكراهية والفرقة والتعصّب، ويهيئان البيئة الملائمة للإرهاب. وكما أشار خطاب الملك في مِنى، فإن الرسالة تبدأ في المنزل، وتستمر في المدارس، والمساجد، وتحتاج لدعم العلماء والكتاب والمثقفين وقادة الفكر والرأي والمجتمع. وهذا الجزء من الحرب على الإرهاب ما زال في بداياته.

مشاركة :