في اللحظة التي كان فيها المغاربة حريصين على خوض متاعب السفر ودهشته، يندر أن تجد نصا مشرقيا قديما يسجل رحلة نحو المغرب الأقصى.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2018/01/20، العدد: 10875، ص(15)] يشكل اختيارُ مؤسسة {ارتياد الآفاق} للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، للمرة الثانية، لتسليم جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة امتدادا طبيعيا لما تحفل به المكتبة المغربية من نصوص مذهلة صارت تستعيد حياتها بفضل المركز وعدد من المؤسسات الجامعية المغربية. ويبدو أن كتابة الرحلة بالمغرب، كما يعكس ذلك عددُ نصوصها الكبير، سواء المحقق منها أو المنشور أو الذي ينتظر اكتشافه، ظلت تشكل جزءا أساسيا من الكتابة بالبلد، مع تماهيها وتداخلها الخاص مع الكتابة التاريخية والجغرافية وغيرها من الأجناس التعبيرية. إنها أيضا شهادة على حرص المغاربة، في الكثير من اللحظات، على تجاوز إكراهات الحدود والبعد والانعزال داخل المغرب الأقصى، الذي اعتاد المشارقة على نسيانه أحيانا، بينما كان الأجنبي ينظر إليه كغنيمة. ولذلك كان طبيعيا أن يواظب المغاربة، طيلة قرون، على تدوين أسفارهم، مُخلفين بذلك نصوصا يبدو الكثير منها مدخلا أساسيا لفهم تمثل المغاربة للعالم وللآخر. وخارج الرحلات الداخلية، تتوزع الرحلات المغربية على متنين رئيسيين. يتجلى الأول في الرحلات الحجازية، التي شكلت نواة الإنتاج في هذا المجال. وكان ذلك طبيعيا بحكم ارتباطها بالثقل الديني لفريضة الحج، ولتمثّل المغاربة لفضاء يحمل، بالنسبة إليهم، الكثير من الإشعاع الروحي، حتى أن كثيرا من رجالات المغرب الإسلامي، كما وصفهم عبدالهادي التازي، كانوا يرون أن شخصياتهم إنما تكتمل عندما يذكرون أن لهم رحلة إلى المشرق، ومكة المكرمة بشكل أساسي. ومثل البعد الفكري امتدادا لهذا الإشعاع، وهو ما يفسر حرص المؤلفين على الأخذ عن شيوخ الحرمين وطلب الإجازة منهم، ومنهم أبوسالم العياشي، الذي خص جانبا من رحلته “ماء الموائد”، للتعريف بما يناهز تسعين رجلا، أخذ عنهم أو أخذوا عنه، خلال رحلته الحجية. أما المتن الثاني فيكمن في الرحلات السفارية، التي تحفل بمعلوماتها الدبلوماسية الهامة، باعتبارها تقدم، عبر مشاهداتها المدونة، عناصر تمكن من تمثل صورة للعلاقات الخارجية المغربية، مع احتفاظ العديد منها بعلامات على توجه تحديثي، من حيث طبيعتها السردية، وأيضا بوظيفتها على مستوى إعادة قراءة تمثل جانب من الذهنية المغربية لصورة الآخر، ولفضاءات تحتفظ باختلاف تنسج مظاهرَه جوانبٌ اقتصاديةٌ وتكنولوجيةٌ واجتماعيةٌ وثقافيةٌ وسياسيةٌ مغايرة. ثمة أمر مفارق. في اللحظة التي كان فيها المغاربة حريصين على خوض متاعب السفر ودهشته، يندر أن تجد نصا مشرقيا قديما يسجل رحلة نحو المغرب الأقصى، وذلك خارج الأعمال المتأخرة، التي يبقى من أشهرها كتاب “المغرب الأقصى، رحلة في منطقة الحماية الإسبانية” لأمين الريحاني وكتابات شكيب أرسلان عن رحلته إلى المغرب، والتي سيعود المؤرخ المغربي محمد بن عزوز إلى تفاصيلها في كتاب خاص. وتلك صورة عن مشرق لم يكن معنيا باكتشاف مغربه. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :