المغاربة وكتاب البخاري بقلم: حسن الوزاني

  • 10/29/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعكسُ اختيار تسمية جيشٍ، اعتُبر حينها الأكثر تنظيما، بعنوان كتاب البخاري صورة عن علاقة المغاربة وأهل السنة بشكل عام، بكتاب شكل خلال لحظات تاريخية طويلة ثاني أهم مصدر للتشريعات الإسلامية بعد القرآن. العربحسن الوزاني [نُشرفي2016/10/29، العدد: 10439، ص(17)] في نهايات القرن السابع عشر، أقدم السلطان المغربي الشهير المولى إسماعيل، إثر تقلده الحكم، على تأسيس جيش كبير، تَكونَ بشكل خاص من العبيد الذين كانت تمتلكهم الأسر وأيضا من الحراطين، الذين كانوا يعيشون على هامش المجتمع. لم يمر تأسيس الجيش دون مواجهة شديدة بين السلطان وعدد كبير من العلماء الذين اعتبروا شراء الحراطين استرقاقا للأحرار. وهي مواجهة أسفرت، على سبيل المثال، عن قتل عالم كبير هو عبدالسلام جسوس. أمّا ما طبَعَ هذا الجيش فهو بالضبط اسمه، حيث اختار له المولى إسماعيل اسم جيش عبيد البخاري، كناية عن كتاب صحيح البخاري الشهير. وكان السلطان، بحسب كتاب الاستقصا للناصري، قد جمع أفراد الجيش واستحلفهم على الكتاب، “وأمرهم بحمل نسخة منه وتقديمها أمام حروبهم كتابوت بني إسرائيل”. ويعكسُ اختيار تسمية جيشٍ، اعتُبر حينها الأكثر تنظيما، بعنوان كتاب البخاري صورة عن علاقة المغاربة وأهل السنة بشكل عام، بكتاب شكل خلال لحظات تاريخية طويلة ثاني أهم مصدر للتشريعات الإسلامية بعد القرآن. وتجلت أهمية حضور “صحيح البخاري”، امتدادا لذلك، من خلال ثلاثة مظاهر كبرى. انتظمتْ تجليات الأول في الاهتمامِ الكبير بروايته، وهو ما يترجمه العدد الهام لِرواتِه، وتعدد رِواياتِه وفي اهتمامِ العلماء والمحدِّثين المغاربة بوصل سَنَدهم به وتعددِ مراكز روايته وتوزعها على المجالس الحديثية والجوامع والزوايا وغيرها. ويكمنُ المظهرُ الثاني في حضور “صحيح البخاري” في الحياة الاجتماعية للمغاربة، وهو ما يعكسه وضعُه كمكون طقوسي في العادات الاجتماعية والأعياد والمناسبات الدينية والأزمات والحروب، ومن ذلك وجود عائلات كانت تجعل صداقَ الزوجة نسخة خطية نادرة من صحيح البخاري، وختم البخاري عند استعداد أحمد المنصور الذهبي لمعركة وادي المخازن الشهيرة. أما المظهر الثالث فارتبط بحركة التأليف التي اعتَنَتْ بصحيح البخاري، سواء من خلال الشرح أو الحواشي أو التعليق أو الاختصار أو الختم أو التعريف برجاله. ومن ذلك “معين القاري لصحيح البخاري” لمحمد ميارة الأكبر. وإلى جانب كل ذلك، لم يكن كتاب البخاري بمنأى عن توظيفه كأداة “لتمتين الروابط وتقويتها بين الساهرين على حُكْم البلاد وبين كل الهيئات الدينية وأفراد الرعية”. ومن المؤشرات الدالة على ذلك إصدار السلطان محمد بن عبدالله منشورا، خلال نهاية القرن الـ18، يأمر فيه المدرسين بجامعة القرويين بالاكتفاء بصحيح البخاري على مستوى تدريس الحديث. وبذلك، يظل كتاب البخاري من نوع الكتب التي تسافر عبر الجغرافيا وتجدد قراءها. ويشهد على ذلك توالي طبعاته المبكِّرة بلِيدن وبطرسبورغ وبومباي ودلهي وغيرها من عواصم الطباعة. إنه أيضا أحد أكثر الكتب الأكثر مبيعا على مستوى العالم العربي وإن كانت دور النشر تحجم عن الإعلان عن مبيعاتها منه. كاتب من المغرب حسن الوزاني :: مقالات أخرى لـ حسن الوزاني المغاربة وكتاب البخاري, 2016/10/29 الفلسفة وأشياء أخرى , 2016/10/22 الشاعر والأداء, 2016/10/15 كتاب عن الإنسان في الحرب , 2016/10/08 كاما كماندا المصري, 2016/10/01 أرشيف الكاتب

مشاركة :