شوقي بزيع يرمم العلاقة ما بين الزمن والجسد باللغة بقلم: علي حسن الفواز

  • 1/20/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر شوقي بزيع يضع القارئ لقصائد كتابه الشعري الأخير الحياة كما لم تحدث عند حافات مسكونة بالقلق، وباعثة على نوع من فجائعية الإحساس بالوحدة.العرب علي حسن الفواز [نُشر في 2018/01/20، العدد: 10875، ص(15)]التوازي بين الشعر والحياة حين يتحول الشعر إلى ما يشبه السيرة، تخرج القصيدة عن لعبة أكاذيبها، وغوايات استعاراتها، لتبدو وكأنها لعبةُ احتفاء ومكاشفة، واقترابا مؤنسنا من اليومي والهامشي، حيث سردنة الخسارات وإباحتها، وحيث الشغف بالحياة وتأمل ما تساقط منها، وما عَلق من ذاكرة مواقيتها المسافرة أبدا، وحيث لعبة الشاعر في الاستعادة الإيهامية للضائع والهارب والعابر. التوازي بين الشعر والحياة هو الفضاء الذي استغرقته هواجس الشاعر شوقي بزيع في كتابه الشعري الأخير “الحياة كما لم تحدث”، الصادر عن دار الآداب بيروت، إذ تضعنا قصائده عند حافات مسكونة بالقلق، وباعثة على نوع من فجائعية الإحساس بالوحدة، فالشاعر إذ يدرك أنّ اللغة هي بيته الهيدغري/ التعويضي/ السحري، فإنه ينفر عنها، إذ يماكرها بوصفها مجاله السحري لاستحضار استعاراته الموحية، والمُضادة للفقد والنسيان والعزلة. يقودنا الشاعر بزيع إلى ما يمكن تسميته بـ”قصيدة الاستعادة” تلك التي يراقب من خلالها سيرورة المعنى، وتحولات الجسد، ويُطلق لنفسه العنان في تقصّي تمثّلات أقنعته واستعاراته، وبما يجعلها أكثر قربا من “قصائد الخبرة” حيث يبدو فيها الشاعر مشغولا باستمناء لذة تلك الاستعادة، وبمجاوراتها النصوصية والتاريخية، حيث يحضر سيف بن ذي يزن مع الحبيب الزيودي، مثلما يحضر السياب عبر تمثاله وروحه الصاخبة، وكأنه يقترح من خلالها وجها آخر، أكثر قسوة للوجود والحياة، وللقصيدة، حيث تتسع للرؤيا والعبارة والأنوثة، تلك التي تشاطره اللذة والشغف، مثلما تُرهقه بالفقد والغياب و”الجراد” والحرب وذاكرة الأخطاء. يقول الشاعر: رفعوكَ يا أبتاهُ تمثالاً على نهرٍ وقدْ خذلوكَ حيّاً،/ ونُودِي بالجرادِ مؤذِّناً باسمِ الخُصوبةِ، حيث بوصلةُ النفاقِ،/ تقودُ مَنْ عَطَشوا إلى السُّحُبِ الخَطَأ/ والذينَ تسنَّموا سُدَد العَرْشِ/ تقاسموا مَثواكَ،/ كي يرشوا بأنبلِ ما كَتبتَ حروبَ ردَّتهمْ”. احتفاء الشاعر باللغة يبدو وكأنه توريةٌ للاحتفاء بالحياة ذاتها، إذ تحضر أنوثة اللغة بوصفها تعويضا وإشباعا، وهذا ما يجعل الشاعر أكثر عناية بصياغة التفاصيل، وبتأمل زمنه الشخصي، في سياق ترميم العلاقة ما بين الزمن والجسد، أو في سياق إعادة النظر إلى فكرة الوجود ذاته، لمواجِهة “بيت الكهولة” أو للتصالح الوهمي مع الماضي كما يُسميه فرويد، إذ تتبدى هذه السياقات عبر صيغة من يمنح اللغة وظيفة التعالي والخلق، واللذة، والفحولة، ويؤطر الجسد بصورته العالقة بذاكرة الحائط، وبكينونته لمواجهة فكرة العدم، ولاستعادة “الرحم” بوصفه وجودا أوليا للتماهي مع تلك الصورة، أو مع الفيتشات التي اقترحها الشاعر عبر قصائد “مناديل لرياح الفقدان” أو”كوكب رسائل” و”النهر والتمثال” و”النساء” و”تعقّب الأثر” كما يُسمّيها في عناوين كتابه الشعري، ليكون الشاعر عبرها حاضرا وخالقا، ومُستعادا عبر اللغة، وليكون الأقرب إلى صانع الأقنعة. لعبة الاحتفاء بالحياة لا تنفكُّ تتحول إلى لعبة لغوية/ استعارية، يقول بزيع “لمْ أطلب الكثيرَ من حياتي…/ ولا طلبتُ من خطايَ غيرَ أنْ تقودني ولو لِمرةٍ، إلى الوراء”. الحياة أنثى، واللغة أنثى أيضا، وكلتاهما تمثلان الشفرة السحرية التي تتحكم بتوهجات الروح الشعرية، فلا يجد الشاعر أفقا للخروج منها، والإنصات والإغواء سوى أنْ يشحن اللغة بطاقة متعالية لاستعادة لحظات الأنوثة الغائبة، لمواجهة الطاقة الخابية للجسد، وعبر تمثّلات رمزية، يدخل فيها الاستفهام “كم” مجال التعبير عن الحاجة، والشغف بالتعويض، وأحسب أن قصيدة “النساء2” الضاجة بالشبق الهوسي، هي التهويم المجازي للتضاد ما بين ثنائية الحضور والفقد، فـ”جسدُ” و”صبا” و”اشتهاء” و”عواصف” وحدات تعبيرية للرغبة، لكنها -أيضا- بنيات نسقية ضامّة لما هو ضدي. يقول الشاعر “كمْ جَسَداً أحتاجُ كي أضمَّكنَّ…/ وكمْ صِباً عليَّ أنْ أعودَ نحوهُ/ لكي أعدَّ للشتاءِ ما يليقُ باشتهائكنَّ من عواصفٍ”. نلاحظ حضور غنائية شوقي بزيع “غير الإنشادية” وحسيته الشفيفة، وكأنه يريد أنْ يستعيد العالم عبر استعارات اللغة، بوصفها هنا بيت السحر، حيث كلّ شيء يقنّع بها، ويخضع لقوانيها وسطوتها، ولا يجد الشاعر نفسه سوى أنْ يكون باحثا عنها أو متماهيا معها، وباتجاه أن يكون صانعا للاعترافاتد.

مشاركة :