عندما سمع سكان سستو فيورنتينو، إحدى ضواحي مدينة فلورنسا الإيطالية، بانتقال 50 من طالبي اللجوء إلى فندقٍ سابقٍ في المركز التاريخي، كان رد فعلهم كغيرهم من المواطنين في مختلف أنحاء إيطاليا. حسب تقرير صحيفة البريطانية احتشد السكان للتظاهر، مُتأثِّرين بالمشاهد التلفزيونية للمهاجرين وهم ينزلون من القوارب في الجنوب، والحملة المثيرة للذعر التي أطلقها الساسة المحليون من حزب فورزا إيطاليا، الذي أسَّسَه سيلفيو برلسكوني. وجُمعت التوقيعات، ونقل السكان شعورهم بالقلق للورينزو فالشي، العمدة اليساري ذو الـ38 عاماً، الذي انتُخِبَ منذ عام، خلال اجتماعٍ ساده التوتُّر، في يونيو/حزيران من العام الماضي 2017. وقالت دليلا دي باسكال: "كانت هناك حالةٌ من التربُّص الاجتماعي". وتعمل دي باسكال منسقةً في إل سيناكولو، وهي جمعيةٌ للتعاون الاجتماعي مقرها فلورنسا، ومسؤولة عن إدارة فندق إل غيرلينو، حيث يُقيم المهاجرون الآن. تمحورت المخاوف بشكلٍ رئيسيٍّ حول تغيير وجه بيازا فيتوريو فينيتو، الميدان الرئيسي الذي يُطل عليه مجلس المدينة. وتابعت دي باسكال قائلةً: "شعر الناس بالقلق من الضوضاء والقمامة، لكن الأمر كان يتعلَّق بتصوُّرهم المُسبق قبل كل شيء. لم يعرفوا من هؤلاء الناس، وهو ما جعلهم يخشون الخروج في المساء".تجمُّع أسبوعي لتبادل القصص في الميدان وأتى النفور من القادمين الجدد في سستو فيورنتينو، التي يقطنها 49 ألف نسمة، نتيجة آثار الهبوط الاقتصادي المستمر، علاوةً على الانهيار المُتوقَّع في الخدمات العامة في منطقةٍ كانت مزدهرةً بصناعة الفخار والخزف في الماضي. وبدأ مُخطَّط دمج الوافدين الجدد وفق صحيفة The Guardian بمهمةٍ مشتركةٍ لتخليص الميدان من أكبر شكاوى السكان: أعقاب السجائر. حيث تعاون المهاجرون، الذين وصل أغلبهم من مالي والسنغال وبنغلاديش وباكستان، مع مجموعةٍ من المتقاعدين الذين هاجروا في الأصل من جنوب البلاد. وتبادل منفذو المهمة القصص ليجدوا أرضيةً مشتركةً للحوار. أحد المتقاعدين كان قد قضى طفولته في ليبيا، المستعمرة الإيطالية السابقة التي أصبحت الآن محطةَ عبورٍ كبرى للمهاجرين في طريقهم إلى أوروبا. وبينما استعاد الرجل ذكرياته الرائعة باللغة العربية، روى أحد المهاجرين تجربته القاسية مع السجن هناك. تطوَّر المشروع ليتحوَّل إلى تجمُّعٍ أسبوعيٍ لتبادل القصص في الميدان بين السكان المحليين والمهاجرين، بمشاركة أصحاب الأعمال التجارية في المدينة. ويعكف الآن ماركو بيومبانتي، مالك حانة شعبية تُدعى "بار بلو"، على تعليم المهاجرين كيفية كتابة سيرهم الذاتية واجتياز مقابلات العمل. كنيسة تبيع قطعة أرض لبناء مسجد في فلورنسا يقول فالشي حسب صحيفة The Guardian إن التوتُّرات هدأت كثيراً رغم تحفُّظ البعض على وجود المهاجرين. وقريباً سيُفتتح مسجدٌ في سستو فيورنتينو، ليُصبح أول دار عبادةٍ يخدم 30 ألف مسلمٍ يعيشون في منطقة فلورنسا. وخرج المشروع إلى النور أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أن وافقت الكنيسة الكاثوليكية على بيع قطعة أرضٍ للجالية المسلمة. يتمنى فالشي أن يتحوَّل هذا الجزء من إقليم توسكانا إلى بارقة أملٍ لبقية إيطاليا، رغم تأجيج الأحزاب السياسية لأزمة اللاجئين من أجل حصد مكاسب سياسية قُبيل الانتخابات العامة، في الرابع من مارس/آذار المقبل. وشهدت الحملة انحداراً جديداً الأسبوع الماضي، عندما ادعى أتيليو فونتانا، مُرشَّح حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف الذي يسعى ليُصبح رئيس إقليم لومبارديا، أن تدفق المهاجرين سيقضي على "عرقنا الأبيض". انتقل بابا دياو إلى إيطاليا قادماً من السنغال قبل 40 عاماً لدراسة الهندسة. ويسترجع الآن ذكريات عصرٍ كان الناس فيه أكثر وداً وحميمية مع بعضهم البعض ومع الغرباء. وقال: "فقدنا التواصل مع بعضنا. علينا أن نحث الناس على الحديث مجدداً،رإذ يُمكن للمعرفة أن تسهم في تبديد الخلافات. عندما أنظر إلى فرنسا والأخطاء التي ارتكبتها فيما يتعلَّق بالهجرة، أجد أن إيطاليا لا يزال أمامها متسعٌ من الوقت لتفادي ذلك". الآن في سستو، يقضي المهاجرون أيامهم بين حصص اللغة الإيطالية وتدريب الحاسب الآلي، ودروسٍ تساعدهم على التكيُّف مع بيئتهم الجديدة، بينما ينتظرون نتائج طلبات اللجوء الخاصة بهم، وهي العملية التي قد تستغرق عاماً كاملاً. ويقول أبو خان، 19 عاماً من بنغلاديش: "حصلنا على الكثير من المساعدة، ونحن ممتنون للغاية". لكن خارج الضاحية، تشهد لوحةٌ إعلانيةٌ ضخمة على التحديات التي لا يزال المهاجرون يُواجهونها. إذ تحمل اللوحة الإعلانية، التي دفع قيمتها حزب فراتيلي ديتاليا اليميني المتطرف، رسالةً بسيطة: "لا مسجد!".
مشاركة :