الضرائب-أمر-قادم-لا-محالة

  • 10/15/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد يستطيع أن يتنبأ إذا كانت أسعار برميل النفط ستبقى بين 80 و 100 دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وهو السعر الآمن سعودياً، والذي سيمكنها من إكمال برامج التنمية المستدامة، إضافة إلى جملة من المشاريع الملكية الإستراتيجية الكبرى، التي بدأها الملك منذ توليه عرش البلاد. كما أن المجهود الحربي السعودي المفاجئ لقتال التنظيمات الإرهابية التي تشوه الإسلام يبدو أنه يحتاج أيضاً إلى سيولة عالية ومتدفقة، مع تحذيرات تقول إن تلك الحرب قد تستمر سنوات طويلة. ويتربع مشروع توسعة الحرم النبوي الشريف على قمة المشاريع الإستراتيجية السعودية -حسب تصنيف وزارة المالية-، كونه يتطلب موازنة خاصة لنزع ملكيات آلاف المساكن، ومبالغ «طائلة» ستذهب إلى الشركة المنفذة. إن إعادة النظر في مجمل المشاريع التنموية وتحديد أين هي أولوياتنا، ومتى ننفذها وما هو الممكن تأجيله، تبدو اليوم أموراً ملحة أكثر من ذي قبل، ولاسيما في المشاريع التي تصل أحجامها إلى مئات البلايين، وعلى رأسها مشروع تطوير الحرم النبوي الشريف. فالحرم الشريف بوضعه الحالي وطاقته الاستيعابية الممتازة يكفي لأعوام طويلة مقبلة، ويجب على وزارة المالية الاستماع إلى آراء كثير من أهالي المدينة المنورة والمتخصصين، والاكتفاء بما بُدئ به فقط. إذ الأهم اليوم، هو البدء فوراً في إعادة هيكلة الخطط المالية السعودية على مدى الأعوام الخمسة المقبلة على الأقل، وعدم الاكتفاء بأمنيات بقاء أسعار النفط فوق 80 دولاراً، وهو الخط الأحمر الذي لو نزلت عنه الأسعار فستجد المالية السعودية نفسها تعيش أجواء منتصف الثمانينات الميلادية، وستلجأ الوزارة مضطرةً إلى لسحب من الوفورات المالية، والاستثمارات المتراكمة من الأعوام الماضية. إلا أن ذلك كله لا يغني في نظري ولا يسمن من جوع، وسيبقى مجرد مسكنات وترحيل لاستحقاق سيأتي في يوم من الأيام لا محالة، ألا وهو البدء في تطبيق نظام ضريبي واضح وحقيقي، يوفر تدفقاً مالياً مضموناً ومستمراً، بغض النظر عن دخولات الدولة الأخرى، ويخفف العبء عن برميل النفط الذي أنهكناه كثيراً. النظام الضريبي المنوع يمكن البدء فيه بشكل ذكي ومن دون أن يكسر عظماً -كما يقال-، بل قد يكون نظاماً رشيقاً قادراً على تحقيق إيراداته، من دون الإضرار بالطبقة المتوسطة والفقيرة، وهي الطبقة الأكثر حاجة. أما لماذا يبدو فرض الضرائب ملحاً اليوم قبل الغد، فللأسباب الآتية: أولاً: التحول من نظام الاقتصاد الريعي إلى نظام اقتصادي منتج وكفؤ، يعيد تدوير الأموال في جيوب السعوديين، بدلاً من ترحيلها لحسابات التجار والأثرياء. ثانياً: يجب على المجتمع بأكمله، ولاسيما المجتمع الاقتصادي والصناعي الفطام من الرعاية الأبوية الاقتصادية للحكومة، فزمن القروض المجانية أو شبه المجانية، والأراضي الشاسعة الممنوحة بلا ثمن، يجب أن يولي بلا رجعة. ثالثاً: إعادة بناء المجتمع وتحويله من مجتمع يبحث عن العمل في القطاع العام ويتلقى الرواتب المضمونة، إلى مجتمع يصنع دخله، ويبني بلده بيده. رابعاً: لم يعد من المجدي تقديم خدمات رخيصة الثمن كالكهرباء والوقود، لا اجتماعياً ولا اقتصادياً، فكيف يُقبل أن الغني والفقير وصاحب القصر وصاحب البيت الشعبي، يدفعان قيمة لتر البنزين أو فاتورة الكهرباء المدعومة نفسها. خامساً: إعادة النظر في نظام الدعم الحكومي للخدمات والسلع، وتحويله إلى نظام ذكي يقدم الخدمة بقيمتها الحقيقية للغني ومدعومة لذوي الدخل المحدود، ولاسيما وهو يلتهم ما لا يقل عن 300 بليون ريال سنوياً، تضخ خارج الموازنة المعلنة للحفاظ على مستوى معيشة جيد ومقبول شعبياً. سادساً: فرض الضرائب يمكِّن الحكومة من زيادة نوعية في رواتب شرائح ذوي الدخل المحدود، كما أنه يساعد في إعادة توزيع الثروة، التي تخزن بسبب المشاريع الحكومية في جيوب عدد محدود من السعوديين، وتُحرم منها البقية.

مشاركة :