قالت دوائر مقربة من المكتب السياسي لحركة النهضة إن رئيس الحركة راشد الغنوشي يواجه ضغوط شديدة من قبل أعضاء المكتب السياسي وغالبية القيادات التي تطالب بالانسحاب من حكومة يوسف الشاهد على خلفية تلميحات النداء بفك التحالف مع الحركة. وأضافت الدوائر التي رفضت الكشف عن هويتها أن "حالة من التشنج" تسللت إلى المكتب السياسي وإلى مجلس الشورى وإلى العديد من القيادات بعد فرض الغنوشي رأيه بضرورة تمسك الحركة بالتموقع في الحكم مهما كانت حدة الأزمة وتداعياتها. وكشفت الدوائر الاثنين وهي تتحدث لمراسل ميدل ايست أونلاين أن "المكتب السياسي ناقش بجدية في أكثر من مرة مسألة الانسحاب بعد أن اقتنع بأن تواجد الحركة في الحكومة لم يعد له أي معنى سياسي في ظل نزيف الانسحابات من جهة وفي ظل تلميحات النداء بفك تحالفه معها من جهة أخرى. غير أن الغنوشي رفض، وفق نفس الدوائر، الانسحاب مشددا على أن "موقع النهضة في الحكم وليس في المعارضة"، لافتا إلى أن "الانسحاب لن يقود بالنهضة سوى إلى المزيد من العزلة والانطوائية التي قد يستغلها خصومها لفائدتهم. وخلال الاحتجاجات التي شهدتها تونس بدت النهضة أكثر اهتزازا في مواقفها إذ عبر الغنوشي في نفس الوقت عن مساندته للاحتجاجات من جهة وطالب الحكومة بالإصغاء إلى المحتجين والتواصل معهم من جهة أخرى. وخلال الأزمة الهيكلية انتهجت النهضة خطابا سياسيا مخاتلا وملتبسا يحاول في نفس القوت كسب اتجاهات الرأي العام من خلال دعم مزدوج للاحتجاجات وللحكومة. وأكدت الدوائر أن الحركة تسعى إلى الاستفادة من الأزمة الهيكلية واستثمار تداعيتها سياسيا خاصة وأنها قادمة على الانتخابات البلدية وتراهن عليها. هذه المعلومات التي أفادت بها الدوائر المقربة من المكتب السياسي أشارت إليها محرزية العبيدي القيادية في النهضة في تصريح لصحيفة "الصباح نيوز" المحلية حيث أكدت أن عددا من قيادات النهضة طرحوا خلال اجتماعات المكتب السياسي في الأيام الماضية مسألة الانسحاب من حكومة الوحدة الوطنية. وقالت العبيدي إن مسألة الانسحاب لم تحض بالموافقة من قبل الأغلبية. غير أن الدوائر المقربة من المكتب السياسي شددت على أن اتجاه غالبية القيادات يدفع نحور الانسحاب وسحب البساط من تحت أقدام النداء قبل أن يسحبه من تحت أقدامها. وفيما تكتمت العبيدي عن موقف الغنوشي، شددت الدوائر على أن رئيس الحركة استمات في فرض موقفه الرافض للانسحاب مشددا على أن النهضة باتت تواجه خطر القوى العلمانية التي تسعى إلى رص صفوفها في جبهة سياسية ديمقراطية. ويرى الغنوشي أن مساعي القوى الديمقراطية إلى بناء قوة سياسية مدنية لا تهدف سوى إلى استهداف النهضة ومزيد إضعافها ودفعها إلى هامش الحكم. وتساور النهضة مخاوف جدية من التقارب المحتمل بين النداء والأحزاب العلمانية وعيا منه بأنه في حال تحقيق هذه الفرضية ستجد النهضة نفسها على هامش العملية السياسية قد تقود بها إلى هزيمة مذلة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. وتوقعت نفس الدوائر أن يتخذ الغضب على الغنوشي نسقا تصاعديا خلال الفترة القادمة في ظل اقتناع الأغلبية بأن النهضة هي الخاسر الأول من الأزمة التي تشهدها حكومة الشاهد لكونها أولا طرفا في الحكم ولكونها ثانيا تواجه مواجهة شرسة من قبل القوى الديمقراطية التي تحملها مع النداء مسؤولية الأزمة السياسية. وقال معز غربال المحلل السياسي "إن الغنوشي يريد استثمار عائدات الأزمة ليقدم صورة النهضة على أنها أحرص الأحزاب على الوحدة الوطنية". وتابع في تصريح لمراسل ميدل ايست أونلاين "إن يافطة الوحدة الوطنية التي ترفعها النهضة لا تقنع غالبية التونسيين لأنها لا تؤمن بها أصلا"، مشددا على أن الحركة الإسلامية هي التي "مزقت مع النداء وثيقة قرطاج ". وتقول الأحزاب الديمقراطية المنسحبة إن وثيقة قرطاج لم يعد لها أي معنى بعد أن جردت النهضة والنداء حكومة الشاهد من هويتها الوطنية من خلال استضعاف الأحزاب الصغرى والاستحواذ على مواقع القرار السياسي والإداري. وأقرت الدوائر المقربة من المكتب السياسي للنهضة بأن "الحركة تمر خلال هذه الأيام بأزمة داخلية تكاد تكون الأولى من نوعها إذ في القوت الذي تطالب فيه الأغلبية بانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام من خلال الانسحاب من الحكومة لا يرى الغنوشي مستقل الحركة إلا في التموقع في مختلف مراكز القرار.
مشاركة :