فوّاز الشعّار قرّر سكان إحدى المدن الهولندية، انتهاج شكل جديد ومبتكر، لتزيين واجهات بيوتهم؛ لم يلجؤوا إلى الألوان الصارخة، ولا صور المشهورين أو المشهورات من أهل الفن، ولا إعلانات لموادّ غذائية أو مشروبات؛ اختاروا أن يزيّنوها، بقصائد الشعر. نعم طلوا واجهات بيوتهم باللون الأبيض، ثم دوّنوا عليها بخطوط سوداء أنيقة، أبياتاً من قصائد لشعراء من بيئتهم تاريخيين أو معاصرين. هذا الأمر يشعرنا بالبهجة، لأنّ ثمة شعوباً في عصر الإنترنت وما يسمّى «مواقع التواصل» المتعددة التي قطعت في الواقع التواصل المباشر والحميم والنبيل، بل صارت التّحايا عبر «الواتس» والتهاني بوساطة «الفيس»، والأخبار بتغريدات «تويتر».. وهكذا. هذه الشعوب، اختارت الشكل التقليدي الجميل للتواصل، وكتبت أشعار أدبائها ومثقفيها، ومبدعيها على واجهات بيوتها، ما يعطي إحساساً للرائي، بتذوق الجمال مرتين، الأولى إجلاء البصر بجمال الخط، وتناسق الحروف، وتناغم الألوان، والثانية، ملء النفس بالمعاني البليغة، والمفردات البديعة، وعمار الروح بحلاوة الشعر، واستذكار هؤلاء المبدعين، لكننا نشعر في الوقت نفسه بالحسرة، لأنّ أجدادنا العرب قبل أكثر من ألفي سنة، كتبوا قصائد شعرائهم الفحول، وعلّقوها على أستار الكعبة، وأخذت مسمّاها المعروف «المعلّقات»، فكانت تفعل فعلها في النفوس على مدار العام، حتى يحين الموعد الجديد لمباريات الشعراء، في عكاظ.لا نطالب الآن ملّاك المباني أو المسؤولين عنها، أن يحذوا حذو أجدادنا العرب، أو أصدقائنا الهولنديين، ويملؤوا واجهات مبانيهم بقصائد الشعر، ولا أن يدبّجوا كلمات وحكماً، ويطلبوا إلى خطاطين، كتابتها عليها، ولكن كل المطلوب، وهو أمر يسير وفي متناول أي مالك بناية، أو مسؤول عنها، النظافة، ثم النظافة.. حتى ينقطع النفس. فالواجهات معظمها مغطّى بأفضل أنواع الزجاج، أو المعادن المختلفة، وتتعرّض لعوامل الطبيعة المتنوّعة، من غبار ورطوبة وأمطار وأدخنة عوادم السيارات، فضلاً عن فضلات الطيور، وغير ذلك، فتبدو في أسوأ حُلة، فيبهت لمعانها، ويخبو بريقها، ويغدو منظرها منفّراً.الوسائل الحديثة جداً للتنظيف متوافرة، وسهلة الاستعمال، وآمنة، وغير مكلفة، فلا تفسدوا أيّها الملّاك أو المسؤولون عن المباني، جمال العُمران، بقبح الإهمال؛ فمن حقنا أن نتمتع بمنظر النظافة، ومن حق نفوسنا أن ترتاح إلى البهجة، فأنتم لم «تقصّروا» في تحصيل الأجور المرتفعة التي ترهقون بها كواهل السكان، ولم تتوانوا عن فرض بدل صيانة، وبدلات أخرى، تخترعون لها مسمّيات شتى، فأين المقابل؟ بادروا إلى التصالح مع النظافة، ومعايشة البهجة، فالحياة جميلة ويجب أن نعيشها فرحين، فنحن في بلد السعادة. fawazalshaar27158@gmail.com
مشاركة :