فجّر ملف النفايات التي انتشرت مجدداً على الشاطئ اللبناني سجالاً انتخابياً بين «حزب الكتائب» (المعارض) و«التيار الوطني الحر» الذي اتّهم النائب سامي الجميّل بافتعال المشكلة، والاستفادة من الموضوع سياسياً وانتخابياً، في وقت بات لبنان فيه أمام كارثة حقيقية نتيجة عدم وجود خطة واضحة للنفايات، والاعتماد على الحرق والمطامر العشوائية. وبعد فضيحة النفايات التي غزت الشاطئ في شمال بيروت، حيث ستشكل فيه دائرتا المتن و«كسروان - جبيل» معركة انتخابية حامية بين الأحزاب المسيحية، خصوصاً بين «الوطني الحر» من جهة و«الكتائب» من جهة أخرى، إضافة إلى «حزب القوات اللبنانية» وأحزاب أخرى، توالت أمس المواقف على ألسنة المسؤولين لدى الطرفين، واتّهم وزير البيئة طارق الخطيب، ممثل «الوطني الحر» في الحكومة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، ومن خلفه بعض رؤساء البلديات، بالمسؤولية عما حصل، ورمي النفايات بشكل مباشر على الشاطئ للاستفادة من هذا الأمر شعبياً وانتخابياً، مضيفاً: «هذا ما لم نكن نتمناه له، والنفايات ليست ماكينة انتخابية ناجحة». بدوره، وصف النائب إبراهيم كنعان، المرشح المتوقع عن دائرة المتن، ما قام به رئيس «الكتائب»، ونزوله إلى الشاطئ حيث شنّ حملة على المسؤولين، بـ«الاستعراض الانتخابي»، وقال: «لن نسمح بعد اليوم لكل باحث عن صوتين في الانتخابات بالتطاول على العهد». وردّ الجميل على الاتهامات التي وجها إليه «الوطني الحر»، بالقول: «يبدو أن الاستعراض هو وحده ما يحرّك السلطة، ولكن ما سميتموه (استعراضاً) هو واجبي بصفتي نائباً عن المتن»، لافتاً إلى أنهم «كلهم تجنّدوا اليوم لتنظيف الشاطئ، وما قمنا به أمس أوصل إلى تنظيف الشاطئ»، في إشارة إلى قيام الهيئة العليا للإغاثة أمس بالتنظيف، بتوجيهات من رئيس الحكومة سعد الحريري. وتوجّه إلى المسؤولين بالقول: «أنتم وزراء وحكومة، ولديكم السلطة للقيام بما تريدون، الناس هي التي تحكم عليكم، وأنتم مسؤولون عن الأزمة، إن كانت اقتصادية أو بيئية أو صحية، والانتخابات المقبلة هي السبيل الوحيد لمحاسبتكم على أدائكم الفاشل». وينتخب عن دائرة المتن، التي بدأت الأطراف السياسية حملاتها ومعاركها الانتخابية فيها، وفق القانون الجديد، 8 نوّاب، هم: 4 للموارنة، و2 للروم الأرثوذكس، ونائب عن الروم الكاثوليك، وأرمني أرثوذكسي. كما يقدّر عدد المسجلين من غير هذه الطوائف في هذه الدائرة بنحو 4500 صوت؛ نحو 3 آلاف للشيعة، و1500 للدروز. وفي حين لا تزال صورة اللوائح غير نهائية حتى الآن في دائرة المتن، يبدو واضحاً أن التنافس بين «الكتائب»، التي سيترأس لائحتها الجميل، و«الوطني الحر» سيكون في أعلى مستوياته، انطلاقاً من خوض «الكتائب» معركته من موقع المعارض للعهد ورئيسه منذ اللحظة الأولى لانتخابه، وصولاً إلى تشكيل الحكومة، ورفضه الانضمام إليها. ولا تزال خريطة التحالفات في هذه الدائرة، كما معظم الدوائر، غير محسومة، وهو ما ينعكس على النتائج، حيث إنه في حين لا يزال موقف «القوات»، كما الوزير السابق ميشال المر، و«الحزب القومي السوري» غير واضح بشكل نهائي، فإن التقديرات تشير إلى أن «الكتائب» قادر على الفوز بمقعدين من دون عقد تحالفات مع أطراف أخرى، التي على العكس قد يؤثّر التحالف معها سلباً على تمثيله عبر تقليص عدد نوابه. ولا تختلف صورة التحالفات كثيراً في دائرة «كسروان - جبيل»، حيث ينتخب 8 نواب: 7 نوّاب موارنة ونائب شيعي. وهي الدائرة التي كان قد ترشّح فيها رئيس الجمهورية ميشال عون، وسيترشّح بدلاً عنه في هذه الانتخابات صهره العميد المتقاعد شامل روكز، بالتحالف مع الوزير السابق زياد بارود، بينما سيخوض «الكتائب» معركته بالتحالف مع شخصيات من «14 آذار»، أبرزها فارس سعيد، وقد تتوسع لتشمل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، في وقت بدأ فيه «حزب القوات» بالتحضير للائحته، من دون أن تتضح تحالفاته النهائية، عبر ترشيحه رئيس بلدية جبيل السابق زياد حواط. ورغم أن أزمة النفايات والسجال حولها تجدّدت من باب «انتخابات الشمال»، فإن المشكلة باتت تهدّد لبنان ومواطنيه في مختلف المناطق اللبنانية، وهو ما كانت قد حذّرت منه منظمة «هيومن رايتس ووتش» أخيراً. وفي هذا الإطار، قال الخطيب الذي قام يوم أمس بجولة على عدد من المواقع التي تشكّل مصدراً لتسرّب النفايات من المتن الشمالي لمجرى نهر الكلب، لـ«الشرق الأوسط»: «لا نقبل مقاربة هذا الموضوع بطريقة شعبوية، وقد تأكد لنا أن ما حصل كان مفتعلاً من قبل بلديات محسوبة على حزب الكتائب، بحيث تم رمي النفايات على الشاطئ، ليقوم بعدها الجميل باستعراض انتخابي»، وأضاف: «نرفض تحميل هذه الحكومة ووزارة البيئة مسؤولية هذه المشكلة في وقت كانت فيه الكتائب ممثلة في الحكومة عند إقرار الخطة الأخيرة التي جعلت من الشواطئ مطامر للنفايات، مع إقرارنا بضرورة إيجاد حل جذري لهذه المسألة، وهو ما أقرته هذه الحكومة عبر إيجاد حلول مستدامة تقوم بها البلديات، بإشراف وزارة البيئة، عبر المطامر الصحية ومعامل التفكّك الحراري». كانت «هيومن رايتس ووتش» قد كشفت عن وجود أكثر من 900 مكبّ عشوائي في لبنان تشكل خطراً بيئياً وصحياً، مطالبة الحكومة بالالتزام بدور قيادي في هذه المسألة، عبر إيجاد حلّ يحترم حق الناس في الصحة. وخلصت في تقرير لها، حمل عنوان «كأنك تتنشق موتك: المخاطر الصحية لحرق النفايات في لبنان»، إلى أن تقاعس السلطات عن وضع حدّ لحرق النفايات في الهواء الطلق في كل أنحاء لبنان يُعرّض السكان المجاورين لمواقع الحرق، خصوصاً الأطفال والكبار بالسن، إلى مخاطر صحية كبيرة، وينتهك حقهم في الصحة بموجب القانون الدولي.
مشاركة :