أبوالعروسة الدراما العائلية في نسخة عصرية يعود الفيلم المصري الشهير “أم العروسة” الذي قدم في الستينات من القرن الماضي في نسخة تلفزيونية جديدة تحمل تطورات وتناقضات المجتمع الحالي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مع الاحتفاظ بقوام وشكل الأسرة المصرية من الشريحة المتوسطة التي أخفقت الأعمال الدرامية المصرية في التعرض لها في سنوات ما بعد الثورة، وانقسمت لشقين يتوزعان بين مجتمع العشوائيات والتجمعات السكنية الفاخرة.العرب سارة محمد [نُشر في 2018/01/25، العدد: 10880، ص(16)]عائلة ذات سلوك قويم رغم الحاجة القاهرة- اختار الكاتب هاني كمال نهاية الفيلم المصري الشهير “أم العروسة” لتكون هي البداية التي يفتتح بها أحداث مسلسله “أبوالعروسة”، والذي يعرض حاليا على شاشة قناة “دي أم سي” المصرية وسط ارتفاع ملحوظ في نسب المشاهدة، لأن العمل اقترب من حياة المصريين بشكل أكثر واقعية، بصورة كادت أن تغيب عن ذاكرة الدراما في السنوات الأخيرة. وفي “أبوالعروسة” يقدم كمال قراءة جديدة في تغييرات الطبقة المتوسطة مع وجود خط مواز آخر يرصد فيه نموذجا لحياة الطبقة الأرستقراطية، وإن كانت الأولى هي التي سيطرت على جزء كبير من الخط الدرامي للأحداث. الكاميرا تتجول استهل مخرج المسلسل كمال منصور المشهد الأول للعمل متجوّلا بحركة كاميرا واسعة ترصد لقطات من القاهرة وتحديدا منطقة وسط البلد وميادينها الشهيرة، ويكون المشهد الثاني في أحد المطاعم العريقة بالمنطقة يجلس فيه بطل العمل أبوالعروسة عبدالحميد، للإيقاع برجل وامرأة حاولا رشوته بمبلغ 20 ألف جنيه (حوالي 1100 دولار) مقابل تزوير شهادة ميلاد طفل للحصول على إرث من شخص غير أبيه، ثم تقتحم الشرطة المكان وتقوم بتحية الرجل الذي يعمل موظفا بوزارة الصحة.ماجدة خيرالله: نموذج العائلة القبطية ظهر في المسلسل ضمن سياق درامي سلس وتستعرض المشاهد التالية أزمات عبدالحميد الذي يلعب دوره الفنان سيد رجب، وسداد أقساط والتزامات عائلية لأسرته المكونة من ستة أفراد (فتاتان وشاب وطفل وطفلة وزوجته)، لكن مع هذا التأزم يؤكّد المؤلف بمشهد رفض الموظف للرشوة على الخلق الحسن الذي يتمتع به رجل في احتياج شديد للمال بعكس المشهد الختامي الذي انتهت به أحداث فيلم “أم العروسة”. وفي الفيلم يضطر الموظف البسيط الذي لعب دوره الفنان الراحل عماد حمدي، إلى اختلاس مبلغ من خزينة الشركة التي كان يعمل بها على أن يرده في ما بعد لإتمام نفقات عرس ابنته التي لعبت دورها الفنانة سميرة أحمد. ويبدو أن مؤلف “أبوالعروسة” هنا أراد التركيز على العديد من القيم الأخلاقية لهذه العائلة، فليس الأب فقط صاحب المبادئ، فالأم التي تلعب دورها الفنانة سوسن بدر وتقوم بدور بدرية تتمتّع بنفس السلوك القويم، وتعمل كموظفة بوزارة التضامن الاجتماعي وتحرص على توصيل المعاشات والحقوق لأصحابها، ومع سرقة حقيبة يدها الشخصية المحملة بأموال الغير تدبر الأمر مع زوجها لردّ الحقوق لأصحابها. والتركيز على واقعة الأب والأم اللذين يعملان في وظائف حكومية بسيطة يعكس مدى حرص المؤلف على تقديم نماذج اجتماعية صالحة من هذه الفئة، لتعكس الصورة النمطية عن صورة موظفي الحكومة المرتشين التي ركّزت عليها الدراما مؤخرا بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى تأكيده على أن الظروف المتعثّرة التي تمرّ بها الأسرة من حين لآخر لن تمنعها من التقارب والتجمّع على مائدة واحدة، بل وتُطوّر علاقة الصداقة بين الوالدين والأبناء. وبهذه الصورة التي يقدّمها مؤلف “أبوالعروسة” يعيد الكاتب صورة الدراما العائلية لمكانتها مجددا، وهو نجاح آخر يحقّقه صناع العمل ويعيدوا به فكرة اهتمام الأسرة المصرية بعمل يرون فيه أنفسهم بشكل واقعي عبر نماذج تجمع مختلف الشرائح العمرية والطبقات. عصرنة الحكاية لم يغفل الكاتب هاني كمال ما خلّفته متطلبات العصر الحديث من غربة بين أفراد العائلة الواحدة قد تؤدي للوقوع في بعض الأخطاء للحصول على المال، كما هو في نموذج العائلة القبطية التي تتكوّن من ثلاثة أشقاء أصغرهم شاب عشريني يتاجر بالمواد المخدرة بسبب تدني مستوى الأسرة الاجتماعي، أما الأخ الأكبر ملاك الذي يلعب دوره الفنان خالد كمال ويعمل بالوزارة مع عبدالحميد، فلا يمانع في الحصول على بعض المبالغ من الزبائن بدعوى أنها إكرامية وليست رشى. ووجود نموذج العائلة القبطية منح مسلسل “أبوالعروسة” نجاحا جديدا، جاء في إطار التأكيد على كون الأقباط جزءا من نسيج مصر ولا يمكن الانفصال عنه، ولا بد من أن يكونوا طرفا هاما في التعامل والاحتكاك بالحياة اليومية. وربما يكون هناك توجه عام للاهتمام بالنموذج القبطي في الأعمال بشكل عام، وهو ما تشير إليه الناقدة ماجدة خيرالله، والتي أكدت لـ”العرب” أن نموذج العائلة القبطية كان موجودا من حين لآخر في الأعمال الدرامية على فترات زمنية متباعدة، لكنه عاد مجددا كما في “أبوالعروسة” ومسلسل “سابع جار” مؤخرا ضمن سياق درامي سلس لا يشعر المشاهد بأنه يرى شيئا غريبا.قراءة جديدة في تغييرات الطبقة المتوسطة وترى خيرالله أن الدراما العائلية تحسب لها عصريتها مع اقتراب النماذج الموجودة بها لشبيهتها بالمجتمع، حتى وإن كان الأخير سيتحفظ على مشاهدة بعض الأعمال بدعوى أنها بعيدة عن الأفكار والأخلاق المعاصرة. وتؤكد الأعمال الدرامية الحالية مدى اختلاف التناول في رصد نموذج العائلة المصرية الذي تصدّر المشهد في الماضي، وبالمقارنة بين فيلم “أم العروسة” ومسلسل “أبوالعروسة” نجد تطورا حقيقيا في مدى تأثير الحياة الاقتصادية على الأشخاص حتى مع الذين ينتمون للطبقات الميسورة ماديا، بين زوجة تكره زوجها المحامي الشهير لخيانته لها، وأخرى تعمل طبيبة وتحتقر زوجها صاحب المؤهل التعليمي المتوسط، والعائد من الخارج محملا بالأموال، وهي العلاقة التي ترصدها حياة جابر وعبير اللذين يلعب دورهما الفنان مدحت صالح والفنانة نيرمين الفقي. وقدم المؤلف توازنات في الشكل العام لمستوى العائلة المصرية بمستوياتها المختلفة، ورصد أيضا نماذج مختلفة لشريحة الشباب بين فتاة ليست لديها خبرة في العلاقات العاطفية وتلعب دورها الفنانة ولاء شريف، وهي البطلة الرئيسية التي تدور حولها أحداث العمل، وأخرى يسرقها مجتمع التكنولوجيا الذي يوقعها في المحظور. وحاول المخرج كمال منصور أن يخرج من النفق الضيق الذي وضعت فيه أحداث العمل، ويرصد شكل حياة العائلات المصرية التي تفرض بالطبع الزخم في تصوير المشاهد الداخلية داخل المنازل، ليكسر حدة الرتابة في هذه المشاهد بالتنقّل بزوايا كاميراته بين الواسعة والضيقة التي ترصد شوارع القاهرة، وتحديدا حي مصر الجديدة الذي تدور فيه الأحداث. وتعمد مخرج “أبوالعروسة” رصد صورة منزل الأسرة بحركة واسعة من أسفل إلى أعلى والتي تحمل العديد من الدلالات، منها كسر حدة ملل الصورة داخل المنازل كدليل على الدفء الذي يمثله المنزل العائلي برغم بساطته، في الوقت الذي ترصد فيه حركة الكاميرا أيضا الخوف والغربة اللذين تعيشهما فتاة مطلقة تقطن في تجمع فاخر، وأخرى لا تشعر بالأمان مع زوجها الأرستقراطي. مسلسل “أبوالعروسة” واحد من نماذج الدراما العائلية التي عادت لتخاطب الأسرة المصرية مُجددا، وحاول المؤلف هاني كمال الحفاظ على القوام الأساسي للشكل العام، كما كان في أحداث الفيلم، وإن كان تغيير الاسم إلى “أبوالعروسة” يحمل وجهة نظر ذكوريّة من الكاتب، تتمحور في تقديم صورة الرجل والأب والأخ الصالح والفاسد حاليا، وهو ما يتطلّب تفنيد النماذج الذكورّية بشكل أكثر وضوحا.
مشاركة :