السنة الحالية ستكون محددة في ما يتعلق بالحسم مع الجماعات الإرهابية التي لا يمر أسبوع إلا وتعلن مسؤوليتها عن عملية إرهابية جديدة شمال البلاد.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2018/01/25، العدد: 10880، ص(9)] دخلت الحكومة المالية في رهان صعب أمام التحديات الأمنية التي تعيشها البلاد، إذ أكدت هذه المرة أن السنة الحالية ستكون محددة في ما يتعلق بالحسم مع الجماعات الإرهابية التي لا يمر أسبوع إلا وتعلن مسؤوليتها عن عملية إرهابية جديدة شمال البلاد. وبعد عامين من توقيع اتفاق السلام والمصالحة بين الحكومة والجماعات المسلحة التي تسيطر على الشمال، ما زال الأفق غير واضح في ما يرتبط بمستقبل الأمن والاستقرار. نهاية الأسبوع عاد شبح الخوف مجددا إلى سماء مالي، بعد أن تذكر السكان العملية الإرهابية الأكبر من نوعها التي ضربت شمال البلاد في الثامن عشر من يناير العام الماضي، مخلفة أكثر من ستين قتيلا ومئات الجرحى وخسائر مادية كبيرة، وأعلنت جماعة “المرابطون”، التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مسؤوليتها عنها. وقد استهدفت تلك العملية، التي تم تنفيذها بمركبة تحمل 500 كيلوغرام من المتفجرات، واحدا من رموز اتفاق السلام والمصالحة، إذ ضربت معسكرا كان يحتشد فيه الجنود الماليون ضمن ما أطلق عليه “آلية التنسيق”، وهي إحدى آليات تنفيذ الاتفاق، وضعت كخطوة أولى في اتجاه تنفيذ كامل البنود الموقع عليها بين أطراف النزاع، الهدف منها تأمين منطقة غاو وحماية الأشخاص والممتلكات. شكلت تلك العملية تهديدا حقيقيا لاتفاق السلام، فقد كان مقررا أن يتم اختبار آلية التنسيق في غاو، على أن توضع آليات أخرى شبيهة بها في مناطق مختلفة من شمال البلاد، في أفق تأمين المنطقة بكاملها ومن ثم الانتقال إلى الخطوتين التاليتين اللتين ينص عليهما الاتفاق، وهما إقامة مواقع عسكرية تضم المقاتلين في صفوف الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، تليها الخطوة الأخيرة وهي تجريد مقاتلي تلك الجماعات من السلاح بشكل نهائي، كخطوة أخيرة في إحلال السلام، إذ ينص الاتفاق الموقع عليه في يونيو 2015 على سحب الأسلحة من المقاتلين ومنحهم مهلة شهرين لكي يقرروا ما إن كانوا سيلتحقون بصفوف القوات المالية المسلحة أم يختارون العودة إلى الحياة المدنية. لكن بعد مرور عام على تلك العملية الإرهابية، لا يزال تنفيذ الخطوات الثلاث متعثرا، إذ تحاول الجماعات المسلحة عرقلة التنفيذ وتوجيه رسالة إلى الحكومة مفادها أن آلية التنسيق في غاو، التي كانت مبرمجة لتكون مجرد خطوة أولى، هي الخطوة الأولى والأخيرة، الأمر الذي يعني إجهاض المصالحة. وتخشى الحكومة المالية أن يؤدي استمرار العمليات إلى تراجع رغبة المقاتلين في الاستمرار في اتفاق السلام وتبديد كل تلك الجهود التي صرفت فيه قبل عامين، خصوصا في ظل توالي الشكاوى لدى الجنود المنضوين ضمن القوات المشتركة من ضعف التسليح وغياب التنسيق بين الوحدات العسكرية وتنامي التهديدات الإرهابية كل يوم. وما يزيد في خشية الحكومة أن السكان في منطقـة غاو باتوا أكثر انزعاجا مـن انعدام الأمن والاستقرار رغم توقيع اتفاق للسلام، إذ تستمر أعمال القتل ونهب الممتلكات للأفراد والعائلات المالية في الشمال، وهذا من شأنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه أن يقلل من ثقة السكان في الحكومة ويقوض مصداقية خطابها حول المصالحة. وقد دفعت هذه التطورات على المستوى الأمني الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا إلى التلويح بإمكانية اقتراح قانون جديد تحت عنوان “التوافق الوطني”، بهدف إعفاء المسلحين الذين يوجدون قيد الملاحقة القضائية، لتورطهم في التمرد المسلح عام 2012، من المتابعة والعفو عنهم، مقابل وضع السلاح والالتحاق بمشروع المصالحة. وبحسب كيتا، فإن القانون المقترح سيشمل أيضا منح تعويضات للضحايا أو عائلاتهم، وإدماج جميع الأشخاص الذين يلقون السلاح في الحياة المدنية، شرط أن تبدو نيتهم في التوبة. وقال كيتا في خطـاب له قبل أسبوعين إن مالي تواجه عاما حاسما، قاصدا بذلك أن القانون الجديد سيسهم في التقليص من أعمال العنف في شمال البلاد، حيث ما زالت جماعات مسلحة تتحرك بكل حـرية في مناطـق لا تسيطر عليها القوات المسلحة المالية، رغم أن عددا من تلك الجماعات قد أخلى المنطقة عام 2013 بعد التدخل الفرنسي على إثر التمرد الذي قاده المسلحون ضد الحكومة المركزية وأعلنوا من هنـاك عن إنشاء “إمارة إسلامية”. كاتب مغربيإدريس الكنبوري
مشاركة :