هبة إيران للعرب هي عبارة عن مثلث أضلاعه الفقر والجهل والعنف. وهو ما يمكن التحقق منه في كل مكان تضع إيران يدها عليه.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2018/01/26، العدد: 10881، ص(9)] لم تثبت إيران أنها دولة نافعة في المنطقة. على العكس من ذلك تماما، كل ما قامت به أثبت أنها دولة ضارة. لا صداقتها تخفف من شرورها، ولا الحوار معها بشروط متكافئة ومتوازنة ممكن. جرّبت شعوب المنطقة شرور إيران ولكن خيرها الذي تعد به ميليشياتها لم يجد له تجسيدا أرقى من الضاحية الجنوبية ببيروت التي هي رمز لانهيار العلاقة بالعصر الحديث. توجت إيران جهودها المدنية من خلال تلك الضاحية التي ما هي إلا مكب نفايات مقارنة بأصغر المدن في العالم وأقلها أهمية. وكما أرى فإن إيران ليس في إمكانها أن تقدم للعرب على مستوى المدنية نموذجا أرقى من تلك المنطقة، حيث الحياة عبارة عن موكب عزاء. المشكلة تكمن في أن الضاحية المشار إليها ليست فقط مكانا للعيش وهي لا تصلح أن تكون كذلك، بل هي أيضا بؤرة لمجموعة العقد التاريخية الإيرانية إزاء العرب. ما تريده إيران للعرب يبدو متحققا في ذلك المكان. شعب مختطف من قبل عصابة تنحصر مهمتها في بث خطاب طائفي يستند إلى مرويات تاريخية، الكثير منها ملفق ومختلق وخرافي. وليس الهدف من ذلك الخطاب سوى تلويث العقول بمظلومية لم يعد لها مكان في العصر الحديث. ومن الإنصاف القول إن النموذج الإيراني الذي يقدمه حزب الله من خلال الضاحية لا يجرؤ نظام الملالي على فرضه في المدن الإيرانية الكبرى. ربما وجد ذلك النموذج في الأرياف الإيرانية البعيدة فرصته للظهور. هبة إيران للعرب هي عبارة عن مثلث، أضلاعه الفقر والجهل والعنف. وهو ما يمكن التحقق منه في كل مكان تضع إيران يدها عليه. وليس العراق ببعيد. البلد الثري، تزداد أعداد الفقراء والمشردين والأيتام والمعوزين والمحرومين فيه يوما بعد آخر. البلد الذي كان يوما يموّل عملية طبع الكتب المدرسية لعدد من الدول العربية، وكانت جامعاته تجذب إليها الطلاب من كل حدب وصوب، واعتبر في سبعينات القرن العشرين بلدا نظيفا من الأمية صار أطفاله يتسرّبون من المدارس التي هي عبارة عن هياكل خاوية وصاروا يبيعون المخدرات وحبوب الهلوسة في الشوارع. أما العنف فيكفي للدلالة عليه القول إن العراقي يعتبر نفسه محظوظا لأنه أنهى نهارا ولم يُقتل. حياة العراقي هي منحة مؤقتة ذلك لأنها محكومة بعالم الصدفة. الصدفة وحدها هي التي لم تجعله في عداد المقتولين في انفجار ما، والصدفة هي التي حالت بينه وبين أن يتم اختطافه من قبل عصابات صار أفرادها العاطلون عن العمل يعتاشون على الفدى التي يحصلون عليها جراء عمليات الخطف التي لا تشمل الأثرياء الجدد. ذلك لأن الوصول إلى تلك الشخصيات لا يمكن تخيّل وقوعه في زمن شركات الحماية الخاصة. كل هذا يجري في العراق في ظل نظام ديمقراطي، تعددي، يتم فيه كما يُقال تداول السلطة بشفافية ونزاهة وتحت رقابة دولية. لم تنجح إيران في خداع العالم. تلك فرية يجب عدم تصديقها. صمت المجتمع الدولي زمنا طويلا في مواجهة النموذج الرث الذي ترغب إيران في تعميمه في العالم العربي. وكما أرى فإن عمليات التحديث التي تجري في غير مكان من العالم العربي هي التعبير الأمثل عن مقاومة حقيقية للمشروع الإيراني المدعوم بصمت عالمي. المدن العربية الحديثة بكل ما توفره من شروط عيش بشري كريم وآمن ومستقر ومتقدم في اشتباكه بالتقنيات الحديثة ومنسجم مع سياق الفكر العالمي المعاصر بإمكانها أن تظهر حقيقة رثاثة النموذج الإيراني بكل ما ينطوي عليه من فقر. في مواجهة ذلك النجاح سيكون على أتباع إيران أن يعترفوا بأن عقدة إيران من العرب هي السبب في انحطاطهم وتخلفهم وانهيار منظومة القيم التي تحكم سبل عيشهم. وهو ما يمكن أن يقود إيران إلى التخلي عن عقدتها العربية أو البحث عن أساليب أخرى لتنفيس تلك العقدة. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :