لا يمكن وصف شعور الثائر حينما يبحث عن رفقاء ثورته داخل زنازين أقسام الشرطة، التي امتلأت عن آخرها وفاضت بالثائرين المعتقلين من بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، ولا يمكن وصف نفسيته عندما يحدِّثه صديقه المعتقل من خلف قضبان الأبواب المصفحة، قائلاً: "اعملوا حاجة إحنا عاوزين نطلع من هنا". حينها، تجرعنا أكثر لحظات الهزيمة قسوةً على النفس، خصوصاً أنها تأتي من أفعال القوة التي ثرنا عليها. في عمر الثورة القصير إحباطات وإخفاقات مررنا بها، بينما خرجنا من ميدان التحرير بآمال وطموحات لا يُوقفها حدٌّ، فلم تستطع الشرطة كسرنا في يناير/كانون الثاني 2011، ولم تفلح خطط العسكر في صرفنا عن الثورة، لكننا لم نُحسن التصرف بعدها، خصوصاً أننا لم نكن على دراية كافية بخبايا الدوائر الإقليمية والدولية التي تنتظر إفشال ثورتنا باستخدام الدولة العميقة، أخذتنا النشوة بينما خططوا هم لتجاوز الصدمة واستعادة أوضاع ما قبل الثورة. آفة الجميع التفرُّق والتشرذُم، لم نكد نشعر بنصرنا حتى عاد كثير منا لسيرته الأولى، فارتدَّ عن وحدة الثورة الى التمترس خلف أيديولوجيته والتمسك بمواقفه السابقة وإعادة تفعيل سلوكه القديم، فرّطنا في اجتماعنا وتوحدنا، وهما مصدر قوتنا الوحيدة. ننظر إلى أنفسنا في 2011 وفيما نحن فيه الآن، لم يكن أسوأ المتشائمين منا يتوقع أن شباب الثورة الذين أشعلوا الميادين ودفعوا ثمن فورتهم من عَرقهم ودمائهم- قد صاروا اليوم بين شهيد ومعتقل ومطارد ومطرود. نلتقي أفراداً -إن سمحت الظروف- بعد أن كنا نجتمع آلافاً يهز هتافنا الشوارع والميادين، نلتقي لنجترَّ أحزان الماضي ونبكي على ثورة لم نستطع الحفاظ عليها. كم من جيل آمن بالثورة وعمل لها، ولكنه في النهاية خسر ودفع ثمناً مضاعفاً مما لا يطيقه كثيرون. عانت الثورة مبكراً ومن بعد بدايتها بقليل، انحرف بها وعنها الجميع، ولا يشفع تبرُّؤ البعض من هذا الانحراف. رغم معاناتها، جددت الثورة وقودها، حينما غاب جُل شباب يناير عن المشهد بدأ صعود آخرين بعد الانقلاب العسكري، فكل مرحلة تُولد محرّكيها وتنظم صفوفها الأولى. تستطيع الثورة تجديد نفسها وإعادة تحديد أهدافها حتى لو طال عليها الزمن، ورغم تكالب قوى الدولة العميقة والأمن والعسكر الذين استغرقوا مجتمعين أكثر من سنتين للتخطيط ومثلهما وأكثر لتنفيذ انقضاضهم على الثورة فوجهوا الضربات واحدة تلو الأخرى ولا يزالون، رغم ذلك فهي باقية في العقول طالما وُجد من يتحدث عنها، وفي الوجدان طالما تداعبت أطيافها في النفوس حتى وإن انزوى الفعل الجمعي لها. لم تزل باقية رغم تفرُّق مناصريها وتوحُّد أعدائها، تراجعت لكنها لم تمُت ولم تنتهِ. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :