الاحتفاء بمئوية ميلاد إنغمار برغمان وبمنجز الممثلة الفرنسية جولييت بينوش واستحداث مسابقة دولية، الجمهور حَكَمها، ومعاينة انعكاس النزعة القومية المتصاعدة في العالم على السينما، وتجريب عرض بعض الأفلام على «الشاشة العمودية»... هي بعض من عناوين الدورة الواحدة والأربعين لمهرجان غوتنبرغ السينمائي، ومع بقية الفقرات والأقسام المختصة بها مثل، «سينما الشمال» يتجدد الانطباع كونه واحداً من أهم المهرجانات الأوربية المكرسة في محيطها الاسكندنافي والمنفتح دوماً على أفكار جديدة تتسق مع طليعية سينمائية، بعد أن استقر الرأي العام والمختص على أنه أفضل من يعكسها خلال دوراته ويخصص لجوائزها مبالغ كبيرة بكل المقاييس العالمية. أفكار الشمال الطليعية طيلة أربعة عقود، ناغم المهرجان ثيماته مع طليعية أفكار المجتمعات الشمالية وبخاصة موقفها من المرأة ومناصرة مساواتها بالرجل، فحرص على إبراز المخرجات السينمائيات وأتاحته لهن فرص تقديم استثنائي. وهذا العام وتوافقاً مع حملة «مي تو» سعى مبرمجو الدورة إلى إضافة أكبر عدد من الأفلام «النسوية» الجيدة. ومع ذلك اعترف مدير المهرجان الفني بعجزه عن توفير برنامج كامل للتظاهرة، «بسبب قلة عدد الأفلام وهيمنة الرجال الدائمة على الصناعة السينمائية» كما أشار في المؤتمر الصحفي. ومع ذلك حقق جزءاً من غايته حين أعلن عن منحه جائزة «التنين الشرفية» للممثلة الشابة الغوتنبرغية أليسيا فيكاندر، الحاصلة على جائزة أوسكار أفضل دور نسائي مساعد عن فيلمها «فتاة دنماركية» وبالمناسبة سيعرض لها من بين أحدث أعمالها، «إيفوريا» و «غرق»، ولتكريس ذلك التوجه «الأنثوي» برمجوا ضمن الاحتفال بمئوية المخرج السويدي إنغمار برغمان فيلماً وثائقياً يتناول موقفه «المتعالي» من المرأة وخشونته في التعامل مع ممثلاته من خلال شهادات بعضهن ممن زامن عصره الذهبي. من المؤكد لن يكتفي المحتفلون بمئوية مخرج كبير اسمه أسهم في تبريز اسم السويد يوم كانت قليلة الظهور على الساحة السينمائية والسياسية فحشدوا له الكثير من الندوات وورشات العمل وأعادوا عرض أهم نتاجاته مقرونة بدراسات مختصة تنير زوايا غير معروفة عن أسلوبه واشتغالاته المتفردة وأعطوا للموسيقى التي طالما أحبها حيزاً مهماً من الفعالية انطلاقاً من سؤاله الفلسفي الملحاح عنها، «من أين جاءت الموسيقى؟». قد لا يكون بعيداً عن ذلك المَيل المتأصل، الاحتفاء بمنجز الممثلة الفرنسية جولييت بينوشت الخمسينية صاحبة الأدوار الكبيرة والمتنوعة وصاحبة المواقف المتميزة خارج حقلها الابداعي ما استحق التوقف عنده وتنظيم ندوات لها تقدم فيها تصوراتها ومنظورها لما يجري حولها في العالم، الى جانب عرض بعض أفلامها مثل، «عاشقا البون نوف» لليوس كاراكس وتفريغ جزء من وقتها بعد عرضه لمقابلة الجمهور وجهاً للوجه والحديث عن تجاربها الفنية والشخصية. السينما العربية... حاضرة على عادة سابقاتها، أحضرت الدورة الأخيرة (26 يناير- 5 فبراير) مجموعة من الأفلام العربية، اهتمت بها ووزعتها على أهم أقسامها. غالبية الأفلام المعروضة سبق لها المشاركة في مهرجانات عربية ودولية كبيرة وقسم منها حاز على جوائز كفيلم المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر «واجب» الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي، وفيلم «شيخ جاكسون» لعم. وعن السينما الجزائرية سيقدم وثائقي مالك بن إسماعيل «معركة الجزائر... فيلم في التاريخ» وفيه كشف أسرار وخفايا إنتاج فيلم «معركة الجزائر» الحائز عام 1966 على جائزة «الأسد الذهبي» في فينيسيا، وفي حقل الوثائقي أيضاً هناك، «طعم الإسمنت» للسوري زياد كلثوم. والمغرب تمثل هذا العام بفيلم «غزية» لنبيل عيوش. فيما سيشارك المخرج الكردي العراقي المقيم في السويد هوغر هيروري وضمن مسابقة «وثائقيات الشمال» بفيلم عن أوضاع العراق بعنوان، «مفكك الألغام» وسبق له أن شارك في الدورة الماضية بفيلم «الفتاة التي أنقذت حياتي». تمظهرات «القومية» سينمائياً بالنسبة لثيمة «نظرة مقربة: القومية» فجاءت بالتزامن مع الصعود اللافت للتيارات القومية المتشددة في أوربا، وأغلبيتها معادية للمهاجرين كما للديمقراطية. لهذا وجدت الدورة من المهم الانتباه إلى الأفلام المجسدة لمضامينها. فالفيلم كما جاء في إعلان المشرفين عليها «كان يلعب دوماً، دوراً مركزياً في خلق التصورات والأفكار القادرة على طرح الأسئلة وإثارة الجدل والحوار ونأمل أن تتمكن الأفلام المختارة فيها من تحفيز الجمهور على طرح أسئلة تتعلق بظهور التيارات القومية المتشددة بيننا والتي نرى تحركها اليوم واضحاً في مدننا». من بين الأفلام المؤشرة إلى الظاهرة، وثائقي النرويجي يوهان هولمبيرغ «الفجر الذهبي للفتيات» وبعض أفلام ستيفان يارل المنتبه مبكراً إلى الظاهرة في تجلياتها السويدية فيما اعتبر منظموها فيلم الإيرانية مريم إبراهيمي، «أقوى من الرصاصة» نموذجاً للفيلم القادر على مراجعة التاريخ الإيراني المعاصر والإشارة إلى بروز التيارات القومية، بتشجيع من النظام القائم فيها. مسابقة الشمال... الأهم قدرة استيعاب الدورة وجمعها أكبر عدد من الأفلام، والكثير منها جديد وفي عرضه الدولي الأول بخاصة تلك المنتجة في دول الشمال، تغوي صناعها بالمجيء إلى غوتنبرغ أملاً في الحصول على جائزة «التنين» البالغة قيمتها مليون كرونة سويدية (حوالى 125 ألف دولار أميركي) وهي الأكبر بين جوائز المهرجانات السينمائية على الإطلاق. ومن الطبيعي أن تأخذ عروض الأفلام السويدية حصة الأسد فيما تليها بقية دول الشمال، فالمهرجان في خطه العام وتوجهه شمالي أوربي يعتني بسينمتها ويوفر فرصة نادرة لجمهورها لمشاهدتها، إلى جانب مشاهدتهم بقية سينمات العالم، وهذه السنة وفر المهرجان لهم متعة إضافية عندما ألقى على عاتقهم مسؤولية اختيار أفضل فيلم متنافس ضمن المسابقة الدولية، المستحدثة لأول مرة والخاضعة منذ الآن لمراقبة النقاد والمختصين لمعرفة مقدار توافق الذائقة «الشعبية» بالأخرى المحترفة، لأنه بالنسبة اليهم ظل على الدوام نجاح السينما الشمالية مرهون بقدرتها على دخول السوق العالمية ورفده بمواهب منها، حضورها القوي فيه يدعو للتعجب أحياناً من قدرة بلدان أوربية صغيرة على التواجد في المشهد السينمائي الدولي وحتى مهرجاناتها تحظى باحترام لسعتها مثل دورة هذا العام التي ضمت في برنامجها قرابة 400 فيلم يحضرها عشرات من الضيوف إلى جانب الصحافيين والنقاد المحليين والأجانب، ومع ذلك يفخر غوتنبرغ بكونه جماهيري بامتياز، يتفرغ أثناء انعقاد دوراته كثر من سكان المدينة له، يواظبون على حضور عروضه وندواته في أشد أيام السنة برودة. فيما تظل في مقدمة اهتمامه طبعاً السينما السويدية وجوارها ومنذ الآن بدأ الحديث عن فيلم «هواة» للمخرجة غابريلا بيتشلر صاحبة فيلم «يأكل ينام يموت»، وتدور أحداثه حول بلدية سويدية تكلف مجموعة من الطلاب الهواة لإنجاز فيلم دعائي عنها يشجع السياحة فيها. ما يخرج من الطلبة لا يتوافق مع طموحات مسؤوليها لأنه يقدم صورة مختلفة، واقعية عن السويد تختلف عن تلك التي توقعوها أو انتظروا ظهورها!. إلى جانبه هناك الفيلم النرويجي «ماذا سيقول الناس» للمخرجة والممثلة ايرام حق وفيلم الدنماركي ميلاد آلمي «الجذاب»، ما يشير إلى وجود أسماء مهمة من أصول أجنبية تشغل بجدارة مكاناً في المشهد السينمائي الاسكندنافي، تتاح لها فرصة الوصول إلى العالمية من خلال مهرجان غوتنبرغ الأهم فيها.
مشاركة :