علاقاتنا الاجتماعية محكومة بقيود لا يمكن الفكاك منها حيازة أكبر عدد من الأصدقاء مع علاقات اجتماعية متشعبة، ليس أفضل ما يمكن أن يحدث لك، هذا النوع من العلاقات يتوافر فيها، الأشخاص المزعجون والذين يراكمون عليك الهموم ويتوقعون منك الكثير، في المقابل، لديك الكثير مما تقوم به في حياتك من التزامات ومسؤوليات. فماذا يمكن أن تضيف لك هذه الصداقات؟ أما السؤال الذي يبدو أكثر أهمية، ماذا لو كان هؤلاء من أقرب المقرّبين إليك؟العرب نهى الصراف [نُشر في 2018/01/28، العدد: 10883، ص(21)]الأصدقاء المقربون وجودهم تعزيز للصحة النفسية من خلال بحث غير تقليدي، نشرت نتائجه مؤخراً في دورية (علم الاجتماع) الأميركية، طرح باحثان أسئلة عدة تتعلق بالصداقات في حياتنا الاجتماعية وكانت بعض الأمثلة"، هل هناك شخص ما في محيطك الاجتماعي يسبّب لك الإزعاج؟" و"هل تلتقي معه في أوقات متباعدة؟" و"إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجبرك على الاستمرار بهذه العلاقة؟". تناولت معظم الأبحاث السابقة في هذا الإطار، العلاقات الاجتماعية وخاصة الحلقة المقرّبة من الأشخاص وهم أفراد الأسرة والعائلة الكبيرة، إضافة إلى الأصدقاء المقرّبين، باعتبارهم الرابط الذي يعزز من سعادتنا ويشاركنا أوجه حياتنا بتفاصيلها، حيث ينظر إليهم باعتبار وجودهم تعزيزاً للصحة النفسية للأفراد. إلا أن هذه الأبحاث لم تتناول بصورة مستفيضة بعض الأشخاص، الذي يمثلون عبئاً ثقيلاً ويتسببون في وقوعنا تحت طائلة الضغوط النفسية، سواء بسبب تكوين شخصياتهم أو سلوكهم المزعج. ووجدت الدراسة أن بعض الأقارب من الدرجة الأولى خاصة كبار السن، من أكثر الأشخاص الذين نقصر من التواصل معهم على الرغم من مطالبهم وتوقّعاتهم منا، فيما يأتي زملاء العمل في المرتبة الأولى باعتبارهم أكثر الأشخاص، من خارج دائرة العلاقات المقربة، الذين يتسببون في إزعاجنا أو في زيادة ضغوطنا النفسية، ثم يليهم المعارف من الحلقة الاجتماعية الأبعد، وفي النهاية يأتي الجيران على الرغم من صعوبة قياس تأثيرهم بصورة دقيقة، للاختلافات البينية بين الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة. الاتصال المكثف للمرأة مع الجميع وتفاعلها الأكبر مع الأقرباء ربما جعلاها أكثر عرضة للانتقاد من قبل أفراد العينة، لكونها كثيرة المتطلبات والشكوى وذهبت الدراسة إلى أن الأصدقاء المقربين، نادرا ما يتسببون في إضفاء العبء على حياتنا الاجتماعية وبالتالي، فهم أبعد من أن يسببوا لنا ضغوطاً من أي نوع. في مقالها الأخير في مجلة "علم النفس الأميركية"، تشير ليديا دينورث؛ العالمة والكاتبة الأميركية صاحبة كتاب"أسمعك.. وأنت تهمس"، إلى أننا نختار أصدقاءنا بأنفسنا لكن ليس لنا يد في اختيار أفراد عائلتنا وزملائنا في العمل، ولهذا، وجد الباحثون بأن الصعوبة تكمن في الأشخاص الذين يكون من المستحيل تلافي التعامل معهم، إضافة إلى عدم وجود حرية الاختيار في قطع علاقتنا معهم أو حتى تجنب الاحتكاك بهم. واستندت النتائج التي خرجت بها الدراسة عن طريق استطلاع لبيانات أكثر من 1100 شخص بالغ، نصف العدد تراوحت أعمارهم بين (21 و30 سنة)، فيما تراوحت أعمار المجموعة الثانية بين (50 إلى 70 عاماً)، كما تنوّعت أسئلة الاستبيان في العلاقات السلبية والإيجابية بين أفراد العيّنة والأفراد في محيطهم الاجتماعي، المقرّبين منهم والغرباء. ومن أمثلة الأسئلة التي تستعلم عن الجوانب الإيجابية لمثل هذه العلاقات وتأثيرها على أفراد العيّنة المشاركين كان السؤال التالي، "من هم الأشخاص في محيطك الاجتماعي الذين تثق بهم، وأيّهم تتوجهون لطلب النصيحة منه؟"، كما جاءت بعض الأسئلة على النحو التالي، "من من الأشخاص في محيطكم العائلي الذي تعتمدون عليهم في حالات الطوارئ وأي منهم لديكم الاستعداد لتقديم الدعم له إذا ما طُلب منكم ذلك؟". أما بقية الأسئلة فقد كانت تتعلق بالصعوبات والضغوط التي تتسبب فيها بعض العلاقات الاجتماعية، سواء أكانت في الحلقات العائلية الضيقة أو الحلقة الاجتماعية الواسعة. وأظهرت النتائج بأن أفراد العيّنة، الشباب وكبار السن، قد أشاروا إلى شخص واحد على الأقل في حياتهم الاجتماعية ممن يعانون من بعض الصعوبات في علاقتهم معه أو أنهم متطلبون بشكل لا يطاق.العلاقات الاجتماعية القائمة على الأدوار تعتمد على مبدأ الأخذ من دون إعطاء شيء في المقابل، وهذا هو السبب الذي جعل منها علاقة صعبة، معقدة ومتطلبة وكان الشعور بعبء العلاقات مع كبار السن من الأقارب تحديداً، أكثر وضوحاً في إجابة أفراد العيّنة من الفئتين العمريتين، في حين ذكر 30 بالمئة من المشاركين بأنهم يعانون من صعوبات في علاقتهم مع شقيقاتهم، بينما شكلت الزوجات نسبة 27 بالمئة وأما الأمهات فقد كانت النسبة 24 بالمئة في المعدل. ويرى كلود فيشر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا الأميركية بأن هذه النتائج تسلط الضوء على الدور المركزي الذي تلعبه السيدات في الأسرة، فالاتصال المكثّف للمرأة مع الجميع وتفاعلها الأكبر مع الأقرباء ربما جعلاها أكثر عرضة للانتقاد من قبل أفراد العيّنة، لكونها كثيرة المتطلبات والشكوى وأيضاً عرضة للتوتر والضغوط النفسية في محيطها الاجتماعي مقارنة بالرجل. وفي ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية القائمة على الأدوار، مثل علاقة الفرد بالأم أو الرئيس في العمل، فإن الباحثين كانوا مهتمين بكيفية إدارة التفاعلات في هذه العلاقات من قبل المشاركين في الدراسة، وفيما إذا كانت هذه العلاقات غير متوازنة فإن النتائج أظهرت بأنها إنما تعتمد على مبدأ الأخذ من دون إعطاء شيء في المقابل، وهذا هو السبب الذي جعل منها علاقة صعبة، معقدة ومتطلبة. وما يثير الاهتمام حقاً، بأن أفراد العيّنة لا يتوقعون أن يطرأ أي تحسّن على هذا النوع من العلاقات، حتى لو بادر الشخص المقابل (الأم أو الرئيس في العمل) بالعطاء مقابل المنح، وهذا الأمر يدعو إلى التساؤل حقاً، كما يدعو إلى إجراء المزيد من الدراسات التي تستقصي الأسباب والدوافع. ويعدّ هذا البحث جزءاً من جهود أكثر في هذا الميدان، في محاولة لفهم طبيعة شبكة العلاقات الشخصية وكيفية الحفاظ عليها، كما أن هناك طريقتين تقليديتين لمعالجة مثل هذه التساؤلات؛ الأولى تعتمد على أننا وحدنا المتصرفون في علاقاتنا الاجتماعية، نقدر على مقاربتها مع أغراضنا ومصالحنا وتشكيل العلاقات مع الأشخاص الذين نختار. أما الطريقة الثانية، فتؤكد على أهمية السياقات والظروف المحيطة التي تتشكل في ضوئها هذه العلاقات؛ المكان الذي نعيش فيه، المكان الذي نعمل فيه والأشخاص الذين يشاركوننا هذه الأمكنة، وهذا يؤكد على أننا محكومون بعلاقات مسبقة مع أناس غالباً ما يتاح لنا الاحتكاك بهم في الأماكن التي نعيش فيها، وهي طريقة ملزمة إلى حد ما. ينظر البعض إلى علاقاتهم وكأنهم المتحكمون فيها يختارون ما يناسبهم ويبتعدون عن الأشخاص الذين يشكّلون عبئاً عليهم، في حين، أن المنطق يقول بأننا محكومون في علاقاتنا بقيود اجتماعية لا حصر لها؛ فهناك الالتزام الأسري، التسلسل الهرمي في العمل أو المكانة الاجتماعية، فسواء كانت علاقتك متوترة بأب يعاقر الخمر أو رئيس متسلط في العمل أو صديق مزعج له تاريخ في الإساءة للآخرين، فنحن محكومون بشكل اجتماعي أكثر تعقيداً مما نظن.
مشاركة :