مسؤولون وتجار عراقيون لـ «الشرق الأوسط»: تجارة نفط «داعش» مزدهرة رغم ضربات التحالف

  • 10/17/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في الطريق الذي يربط بين كركوك وعاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، وعلى مبعدة عن الشوارع العامة يلاحظ المسافر (بين كركوك وأربيل) حركة صهاريج تتجه نحو شمال البلاد، وعندما تسأل عن هذه الصهاريج فإن أي شخص سيكون جوابه: «هذا نفط مهرب إلى تركيا». وفي مقهى في بلدة التون كوبري (الجسر الذهبي) القريبة من كركوك، يقول فهمي، الذي قدم نفسه بوصفه سائق صهريج سابقا قبل أن يترك مهنته (السياقة) ويفتتح هذه المقهى: «لأنني تعبت رغم أن قيادة الصهاريج كانت تدر أموالا جيدة».. حسب إيضاحه، مشيرا إلى أن «هناك النفط المستخرج من حقول إقليم كردستان العراق الذي يجري تجهيزه في كركوك، بالضبط في المنطقة القريبة جدا من حدود محافظة أربيل، فهناك وأنتم تتجهون نحو إقليم كردستان سوف تشاهدون عند جهتي الشارع العام الكثير من الصهاريج التي تقف في طابور بانتظار تجهيزها بالنفط الخام لتنطلق إلى تركيا وإيران»، منبها إلى أن «قسما كبيرا من هذه الصهاريج تركي وآخر عراقي». ويستطرد فهمي قائلا: «هناك اليوم النفط (الداعشي) الذي تستخرجه عناصر (داعش) من آبار النفط التي تسيطر عليها، سواء في العراق أو سوريا، ويقوم عناصر التنظيم ببيع هذا النفط بأسعار بخسة للغاية، وفي الغالب يجري شحن النفط الداعشي إلى تركيا عبر أراضي إقليم كردستان». من دون أن يوضح ما إذا كانت السلطات الكردية على علم بهذا الموضوع أم لا، لكنه يوضح قائلا: «الصهاريج تخرج معا من كركوك إلى تركيا، وليس من السهولة التفريق بين صهاريج النفط المبيع قانونيا أو النفط الداعشي». يستطرد: «لكنني لا أعتقد أن هناك أمرا يخفى على الحكومة وأجهزتها الاستخبارية». ومنذ أكثر من شهرين تحاصر عناصر «داعش» مصفاة نفط بيجي شمال بغداد، وهي المصفاة الحيوية التي تزود العاصمة العراقية ومناطق أخرى بالوقود الذي يأتي مباشرة من حقول نفط كركوك، لهذا يخطط تنظيم داعش لعمليتين كبيرتين، الأولى هي الاستيلاء ولو على جزء من آبار نفط كركوك الغنية، والثانية السيطرة على مصفاة نفط بيجي لتكتمل دورة استخراج النفط وتصفيته والتجارة به، فالنفط كما هو معروف أهم وسائل تمويل «داعش». يقول الدكتور فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان لـ«الشرق الأوسط»: «لقد حمت قوات البيشمركة الكردية محافظة كركوك من احتلال (داعش) لها على غرار احتلاله لمحافظة نينوى»، منبها إلى أنه «لو سيطر (داعش) على كركوك لكانت حدثت مصيبة كبرى للناس؛ للعرب والأكراد والتركمان، وكان سيطر على منابع النفط وأنبوب التصدير الذي يعبر من خلاله نصف مليون برميل يوميا إلى تركيا و300 ألف برميل يوميا إلى بيجي، وكان هذا هدفهم، السيطرة على كركوك ومصفاة بيجي لتكون منابع النفط والمصفاة بأيديهم». ويكشف شلال عبدول، قائمقام طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «مسلحي (داعش) يهربون النفط الخام العراقي في الصهاريج»، مشيرا إلى أن «عشرات الصهاريج تمر من خلال أو بالقرب من قضاء طوزخورماتو محملة بالنفط الخام باتجاه إقليم كردستان أو تسلك طرقا ترابية باتجاه غرب العراق». وقال إن «الجماعات المسلحة و(داعش) يسرقون النفط الخام من آبار نفط قرب سلسلة جبال حمرين، وكذلك هناك آبار نفط تبعد 35 كيلومترا غرب طوزخورماتو»، مشيرا إلى أن «هذه المناطق لا تقع تحت سيطرة الحكومة أو القوات العسكرية.. وقسم كبير منها، منذ التاسع من يونيو (حزيران) أي بعد سقوط محافظة نينوى، يقع تحت سيطرة (داعش)». وأضاف قائمقام قضاء طوزخورماتو أن «هناك ما بين 50 إلى 100 صهريج تعبر من خلال القضاء أو نرصدها من بعيد، حيث يتخذ السائقون طرقا ترابية غير معبدة بعيدة عن سيطرة الأجهزة الأمنية أو قوات البيشمركة». وقال إن «قوات البيشمركة التي تسيطر على القضاء استطاعت أن تحجز أكثر من 50 صهريجا محملة بالنفط الخام المسروق، وقد أمر وزير البيشمركة السابق جعفر الشيخ مصطفى، بإحالة السائقين إلى القضاء ومصادرة النفط المسروق، إلا أن تدخلات كثيرة من جهات عدة، بالإضافة إلى أن الأوضاع الأمنية في القضاء وعدم انتظام الدوائر الحكومية، أدت إلى غلق المحاكم التي تنظر في قضايا هؤلاء السائقين، وقد أخلي سبيلهم». وأوضح عبدول أن «حجم ما يحمل في الصهريج الواحد هو ما بين 30 إلى 36 ألف لتر مكعب، ويبلغ سعر هذه الحمولة ما بين 10 آلاف إلى 14 ألف دولار أميركي»، مشيرا إلى أن «(داعش) يسرقون غالبية النفط الخام من أنبوب النفط الذي يغذي مصفاة بيجي ومن مناطق أخرى يمتد فيها الأنبوب أو حتى من أنابيب التصدير». وحول الجهات التي تشتري النفط الخام المسروق، قال عبدول: «هناك جهات كثيرة داخل العراق وخارجه تشتري النفط الخام، نحن نتحدث عن النفط وهو كالذهب، وهناك مهربون ومضاربون داخل العراق يشترونه بأقل من ثمنه بكثير ليبيعوه إلى جهات في الخارج، وهؤلاء يغامرون من أجل نقله إلى خارج العراق». وأضاف: «هناك صهاريج تتجه نحو إقليم كردستان ليجري من هناك نقل النفط إلى تركيا، وهناك صهاريج تذهب إلى غرب العراق باتجاه الحدود السورية، وأخرى تذهب إلى مناطق وسط العراق». لكن رجل الأعمال الكردي العراقي هوشنك برزنجي يقلل من كمية النفط الذي يجري شراؤه من «داعش» ويجري بيعه إلى تركيا وإيران، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «غالبية من كميات هذا النفط تذهب إلى مناطق في داخل العراق، إضافة إلى تهريب كميات منه إلى تركيا وإيران، وبعضه يصل إلى روسيا عبر الأراضي الإيرانية». وأضاف برزنجي لـ {الشرق الأوسط} أن «هناك شبه بورصة في طوزخورماتو التي تتوسط مناطق الموصل وبغداد وكركوك وأربيل، والتجار رغم ضربات التحالف يشترون نفط (داعش) وهم معروفون، ولهم وكلاء أو وسطاء هم من يتعاملون مع عناصر (داعش) حول أسعار وكميات النفط وغالبا يجري دفع المستحقات المالية بالدولار الأميركي وعند تسلم الكمية في الصهريج؛ إذ ينقل سائق الصهريج النفط إلى الجهة التي تشتريه»، مشيرا إلى أن «وسطاء التجارة بنفط (داعش) لا يقرون بأنهم اشتروه من (داعش) بل من مهربين عراقيين، وحتى لو عرفوا بأنهم من عناصر (داعش)؛ فالموضوع لا يهمهم كونهم لا يهتمون بالسياسة، كما أن عناصر (داعش)، وهم من العراقيين جميعا، لا يتعاملون مع الوسطاء أو التجار بصيغة سياسية أو عسكرية، بل هم يبيعون بضاعة مهربة بصورة غير قانونية لقاء مبالغ تدعم تنظيمهم». وأوضح رجل الأعمال الكردي أن «سعر البرميل الواحد من نفط (داعش) يتراوح بين 10 و12 دولارا، بينما يبيعه الوسيط أو التاجر بسعر 25 إلى 30 دولارا للبرميل الواحد، وأجرة سائق الصهريج تبلغ في أحيان كثيرة 50 دولارا يوميا، فإذا تأخر 3 أيام مثلا وهو في مكانه فالأجرة ستبلغ 150 دولارا، بينما الأجور تنخفض إذا جرى إرسال النفط إلى تركيا أو إيران أو روسيا؛ كون المسافة معروفة وتستغرق ما بين 3 أيام وأسبوع، وهذا يعتمد على طبيعة الظروف الأمنية وتشديدات الحدود». وقال إن «العملية بالنسبة للسائقين تنطوي على مغامرة خاصة داخل الأراضي العراقية». وعن سبب شراء إيران أو روسيا للنفط من تجار عراقيين مع أن النفط متوفر في هذين البلدين، قال: «نعم متوفر لكنه عندما يصل إلى التجار هناك بربع سعره فمن لا يريده؟ هذه تجارة مثلها مثل أي تجارة أخرى». وأوضح قائلا: «النفط الذي يشتريه التجار العراقيون من عناصر (داعش) ويجري نقله إلى خارج العراق يكون باسم هؤلاء التجار الذين يبيعون أيضا النفط الذي يشترونه بصورة شبه رسمية من إقليم كردستان، وهؤلاء التجار شبه مرخص لهم بتجارة النفط، ومنذ سنوات، وهم في العادة من المتنفذين أو لهم نفوذ سياسي أو اقتصادي في المنطقة دون أن تتورط الجهات الحكومية، وأعني حكومة إقليم كردستان، بهذا الموضوع؛ ذلك أن النفط يباع رسميا من قبل حكومة الإقليم وبصورة معلنة وعبر الأنبوب الناقل إلى ميناء جيهان التركي». وأشار إلى أن «الهبات المالية أو الرشا التي يدفعها التجار لحرس الحدود في هذا البلد أو ذاك كفيلة بحل مشكلة تسهيل وصول شحنات النفط إلى المستفيدين منها». يستطرد برزنجي قائلا: «علينا أن نوضح أن كميات النفط الذي يبيعه (داعش) يجري استخدام أغلبه داخل العراق، أكثر مما يجري تصديره إلى الخارج أولا بسبب ظروف الحرب في المنطقة والتشديدات الحدودية والأمنية على هذا النفط، وثانيا أن هناك عراقيين بحاجة إلى النفط الخام»، منبها إلى أن «هناك مصافي نفط محلية ومحدودة غير قانونية، أي غير مرخص لها، موجودة في جنوب العراق ووسطه وشماله، وأصحاب هذه المصافي يعتمدون كلية على النفط المهرب أو الذي يباع بالسوق السوداء بسبب عدم تزويدهم بالنفط الخام من قبل وزارة النفط العراقية». وقال: «أعرف رجل أعمال كرديا عراقيا عنده مصفاة نفط مرخصة في كركوك، وهو حاصل على موافقات قانونية من قبل وزارة النفط ببغداد، ومع ذلك لم يوافق وزير النفط السابق حسين الشهرستاني على تزويده بالكمية كاملة، بل كانت الوزارة تزوده بربع الكمية، وفي مثل هذه الحالة يحتاج صاحب هذه المصفاة إلى شراء النفط الخام مهربا أو من السوق السوداء».

مشاركة :