في خضم تطورات الأوضاع المالية والنقدية، وفي سياق تأكيد التزامها برنامجَ الإصلاح الاقتصادي، تعهدت الحكومة المصرية بـ«مواصلة العمل على توفير العملة الأجنبية في الأسواق»، لمواجهة حركة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي الذي تجاوز حاجز 30 جنيهاً في البنوك المصرية. وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أنه «في ظل تحديات استثنائية يواجهها العالَم، تدرك مصرُ طبيعةَ الآليات والسياسات التي تساهم في تهيئة مناخ أكثر جاذبية للاستثمار». وبما أن الفترة الماضية شهدت نشاطاً قوياً في ما يتعلق بحركة النقد الأجنبي، إلى جانب ارتفاع شهية المستثمرين الأجانب مجدداً، فقد أكد مدبولي أن «الحكومة تواصل تنفيذ خطتها الشاملة لضمان استدامة إتاحة النقد الأجنبي خلال العام الجاري». لقد تراجعت قيمة الجنيه عقب قرار البنك المركزي المصري، في أكتوبر الماضي، الانتقالَ إلى سعر صرف مرن كأحد شروط صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار على 46 شهراً. وتسلّمت مصرُ الشريحةَ الأولى من هذا القرض، وقيمتها 347 مليون دولار في17 ديسمبر الماضي، على أمل أن يسهل برنامج هذا القرض حصولها على 14 مليار دولار من دول خليجية ومصادر أخرى. ورغم أن الصندوق سيترقّب تنفيذَ الخطوات المصرية لتحقيق هذا الهدف، فإن بعض الخبراء يرى صعوبةً في ذلك، لأنه لا مجال لما يعرف بالتعويم الكامل لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وذلك خشية المضاربات التي قد تؤدي إلى مزيد من التراجع لقيمة العملة المصرية، رغم اتجاه البنك المركزي إلى تعزيز الرقابة وتشديد العقوبات على المضاربين. وفي الوقت نفسه تتواصل جهود الحكومة لاحتواء التضخم الذي بلغ نحو 25%. ولعل أهم مخاطره تكمن في زيادة إنفاق المصريين على الغذاء في العام الحالي بنحو 15% ليتجاوز 973 مليار جنيه (54.32 مليار دولار) وفق توقعات مؤسسة «فيتش سوليوشنز». لكن هذا الارتفاع لم يأت على خلفية ارتفاع حجم الاستهلاك بقدر ما هو بسبب تضخم أسعار الغذاء والذي قد يستمر حتى عام 2026. ومع استمرار الأوضاع العالمية، خفَّض البنكُ الدولي توقعاتِه لنمو اقتصاد مصر في العام المالي 2022–2023 إلى 4.5% بعد توقعاته السابقة البالغة 4.8%. وبالنظر إلى الأوضاع النقدية والمالية، يلاحظ أهمية العجز المستمر في الميزان التجاري الناجم عن زيادة فاتورة المستوردات عن قيمة الصادرات، وهي مشكلة مزمنة، مما يجعله يفوق الفوائض التي تحققها التجارة الخدمية، وتحويلات العمالة في الخارج والمعونات الأجنبية. وهنا يكمن السبب الرئيسي لمشكلة تكرار نقص الدولار، واضطرار البنوك إلى التوقف عن فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، خصوصاً عندما ترتفع الفجوةُ الدولاريةُ إلى مستويات قياسية. ووفق البيانات التي يعلنها جهاز الإحصاء المركزي، يبلغ العجز التجاري سنوياً 43 مليار دولار، كفرق بين مستوردات بقيمة 87 مليار دولار، وصادرات بقيمة 44 مليار دولار. وكمثال لارتفاع قيمة العجز نتيجة ارتفاع الأسعار تأثراً بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، كشفت بيانات حديثة عن ارتفاع العجز في أكتوبر الماضي إلى 3.58 مليار دولار مقابل 2.95 مليار دولار للشهر نفسه عام 2021، أي بنسبة ارتفاع تصل إلى 21.1%. وحدث ذلك رغم نمو الصادرات بنسبة 23.3% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام (يناير– أكتوبر)، إذ بلغت 42.8 مليار دولار، مقابل 34.7 مليار دولار للفترة ذاتها من عام 2021. ويذكر أن الغاز الطبيعي من أهم الصادرات إذ بلغت قيمته 7.9 مليار دولار، بمعدل شهري يصل إلى 790 مليون دولار. ويتوقع لهذا الرقم أن يتجاوز مليار دولار شهرياً في العام الحالي، مع زيادة الصادرات إلى أوروبا. *كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
مشاركة :