إعداد: محمد إبراهيم أربع سنوات مضت على رحيل المغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران تريم، رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، وزير العدل وزير التربية والتعليم الأسبق رحمة الله عليه، ومازالت روحه تحلق بيننا في كافة الأركان، وأعماله الساطعة في مسيرة بناء الوطن مازالت واضحة ومشرقة، رسخت مكانته ووثقت دوره البارز، كرائد للفكر والثقافة والسياسة والأعمال والعلم والإعلام. وفي ذكرى وفاته الرابعة نتذكر معاً أن الفقيد لم يكن علامة إعلامية فارقة فحسب، بل جعله حب الوطن يتفنن في بناء مسارات متعددة في القطاعات الكثيرة التي ترأسها، لا سيما قطاع التعليم الذي لعب فيه دوراً محورياً لنهضة مسيرته وسياساته، عندما كان وزيراً للتربية والتعليم في الفترة من 1972-1979، التي تعتبر حقبة زمنية مهمة في تاريخ الإمارات.القيادات التربوية أكدت أن الدكتور عبد الله عمران ركز على محاربة الأمية التي كانت أكبر تحديات التعليم في فترة توليه وزارة التربية، ونشر التعليم في بقاع الدولة كافة، والتوسع في أعداد المدارس واستقطاب أبناء الوطن تحت مظلة العلم والتعليم، وعمل على تطوير المناهج ومحاربة الدروس الخصوصية التي كانت تمثل ظاهرة تتنافى ونظم الوزارة واتجاهاتها والمجتمع المدرسي وأهدافه آنذاك، فضلاً عن إعادة هيكلة النظم التعليمية ورسم استراتيجيات جديدة أحدثت نقلة نوعية في مسار التعليم وسياساته واتجاهاته وأهدافه، إضافة إلى أنه كان أول من أسس لنظام التوجيه والرقابة على المدارس في الإمارات.في قراءة لوقائع تاريخ التعليم في الإمارات في تلك الفترة، نجد أن الدكتور عبد الله عمران، رحمه الله، حرص على إحداث طفرة نوعية في التعليم خلال فترة توليه المسيرة، التي تعتبر حقبة مهمة من تاريخ الدولة، حيث ركز على استحداث هيكلية متكاملة العناصر والأدوار في بنية وزارة التربية والتعليم، وكان في مقدمة ما استحدثه هو جهاز التوجيه التربوي، أو ما عرف آنذاك بالتفتيش التربوي، الذي يمثل عصب العملية التعليمية، إذ جعله المغفور له بفطنته المستقبلية العمود الفقري للوزارة، ومن خلاله اعتمدت الوزارة على تنفيذ آليات التطوير كما هو مرسوم ومحدد لها، والاطمئنان إلى تطبيق سياستها العامة في المدارس، حيث كان التوجيه يتولى عملية رقابة ومتابعة العملية التعليمية على أرض الواقع، من خلال الزيارات المستمرة للمدارس والمعلمين، وهو نفسه من يقيم مستويات المعلمين، ولأهمية هذا الجهاز الذي أسسه الدكتور عبد الله عمران، تطور عمل التوجيه طوال المراحل الماضية وحتى الآن في المسيرة التعليمية للدولة. نشأة التعليم وفي مطلع حديثه قال حميد محمد القطامي رئيس مجلس الإدارة، مدير عام هيئة الصحة بدبي: إن الدكتور عبد الله عمران تريم رحمة الله عليه، كان أخاً وصديقاً حميماً، استعنت برأيه ونظرته الثاقبة في الكثير من القضايا، ليس على مستوى التعليم فحسب، بل في أمور متعددة، فكان رحمة الله عليه مرجعاً موثوقاً، في جميع القضايا الوطنية بمختلف أنواعها وحجمها، ورمزاً وطنياً، ورائداً من رواد الفكر والثقافة والتنوير.ولعب المغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران دوراً كبيراً في مسيرة التعليم بالدولة، ووضع اللبنة الأساسية في نشأة التعليم الحديث وانتشاره، وتبنى العديد من القضايا التعليمية، أهمها محو الأمية، التي كانت أكبر التحديات التي تواجه العملية التعليمية آنذاك، واستطاع بوطنيته وحبه للوطن أن يترجم توجيهات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى وقائع ملموسة غيرت ملامح التعليم ونشأة أبناء الإمارات، حيث استندت إلى الاهتمام بالثروة البشرية التي هي أساس الثروة الحقيقية، فركزت الدولة على الاهتمام في المجتمع الذي ساهمت ظروف الماضي في ارتفاع نسبة الأمية بين أفراده، وإيماناً بأن الأمية هي حجر عثرة أمام تقدم الشعوب، فقد احتل التعليم جانباً كبيراً في خطة الدولة لمواجهة هذه المشكلة، وعلى ضوء هذا انتهجت وزارة التربية والتعليم آنذاك مسارين، الأول الاهتمام بتعليم النشء الجديد، والثاني تعليم الكبار.إن الدكتور عبد الله عمران «رحمه الله»، نجح في تأسيس جامعة الإمارات، ليكون أول رئيس لها، بعد أن كلفه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بتأسيس الجامعة، إضافة إلى دوره الكبير في وضع العديد من المناهج وتطوير طرق التعليم والدراسة. المسار التعليمي وأكد الخبير الدكتور عبد الله مصطفى أن المسار التعليمي بدأ ينتظم في الفترة التي تولى فيها المغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران مهام وزارة التربية والتعليم، لاسيما فصول محو الأمية وتعليم الكبار، التي تولتها الوزارة للذكور والإناث في عصر المغفور له، وكانت أبرز مرتكزات تلك الفترة.وتم افتتاح المراكز في مختلف إمارات الدولة الاتحادية، في خطوة جادة لمحاربة الأمية بين أبناء الدولة، وهذه جهود تحسب للدكتور عبد الله عمران في تلك الحقبة، كما تم افتتاح مركز الأحمدية للذكور، ووجد إقبالًا كبيراً من الدارسين، واستمر المركز في عطائه خمس سنوات تقدم خلالها الدارسون لامتحان الشهادة الابتدائية وفق نظام ومناهج متخصصة، وحصلوا على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، ثم أهمل المركز مرة ثانية حتى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.والمغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران، قاد مسيرة التعليم في مرحلة صعبة، حيث كانت تحتاج لمزيد من الجهود والفكر للدفع بعجلة التعليم إلى الأمام، ولاسيما القضايا التربوية المتعددة في تلك الحقبة، وحرص رحمة الله عليه، على نشر التعليم والتوسع في عدد المدارس وأعداد الطلبة، من خلال عدد من المسارات الممنهجة التي تدل على وعي شخصيته وإدراكه وتحسسه الوضع التعليمي في الإمارات. أركان ومبادئ أما مروان أحمد الصوالح وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون الأكاديمية، فقال: إن اتجاهات التعليم في عصر الدكتور عبد الله عمران، ارتكزت على اعتزاز المتعلم بالإسلام، وعقيدته وشريعته وحضارته، من خلال ازدياد معرفته بأركان ومبادئ وتاريخ الإسلام وحضارته، وأن يمارس فرائضه وشعائره في حياته على أساس من الفهم الصحيح، واستخدام اللغة العربية قراءة وكتابة، وزيادة اعتزاز الطالب بها؛ وذلك من خلال اكتساب مهاراتها الأساسية، بما يزيد من قدرته على استخدامها كوسيلة رئيسة للاتصال بيسر وسهولة، وظهر ذلك جلياً في خطته رحمة الله الشمولية في تطوير المناهج وطرق التدريس. وأكد الصوالح أنه لم يعاصر الحقبة الزمنية التي تولى فيها المغفور له بإذن الله مهام وزارة التربية والتعليم، ولكن تاريخ التعليم في الإمارات شاهد عيان على إنجازات وجهود الدكتور عبد الله عمران في مسيرة التعليم ومراحل تطوره، فالمناهج شهدت في عهده تطوراً كبيراً يحاكي من خلاله تعزيز الهوية الوطنية، ويركز على تاريخ المؤسسين الأوائل وتراث الإمارات، واستطاع أن يحقق الأهداف التي وضعتها وزارة التربية في تلك الفترة لمحو الأمية وتعليم الكبار.قائد التطوير وترى فوزية حسن غريب وكيلة وزارة التربية والتعليم المساعد للعمليات التربوية أن الدكتور عبد الله عمران «رحمه الله»، كان قائداً لمرحلة تطوير التعليم التي بدأت مع قيام الاتحاد، فركزت اتجاهاته على نشر التعليم في الإمارات، والقضاء على الأمية التي كانت أبرز مرتكزاته، حيث لم تكن الخدمات التعليمية قد وصلت لكثير من القرى والحواضر، ولم يكن عدد الطلاب في الدولة يتجاوز ال 28 ألف طالب، وكان على من يرغب في إتمام تعليمه بعد الدراسة الثانوية أن يبتعث إلى الخارج سواء إلى إحدى الدول الأجنبية أو العربية للحصول على الشهادات العليا على حساب الدولة.والدكتور عبد الله عمران، وزير يقظ يدرك متطلبات المرحلة واحتياجات أبناء الإمارات في التعليم، عمل وفق خطط ممنهجة أسهمت في مسيرة البناء والتشييد التي كانت تركز عليها الدولة آنذاك، فرسم سياسة تعميق الانتماء للوطن والمجتمع، وزرعها في نفوس الأبناء، وركز على أن يزداد اتصاله بالعالم، من خلال الوسائل المقروءة، ويتابع ما يجري فيه من أحداث، وما يتحقق من منجزات وابتكارات، يتفاعل معها.وأسهم الدكتور عبد الله عمران رحمه الله، في تأسيس التعليم العالي في الإمارات عبر جامعة الإمارات التي كان الرئيس الأعلى لها في البدايات، ومنذ إنشائها أعطت الجامعة الأولوية القصوى لتطوير برامجها وخططها الدراسية، بما يتوافق مع حاجات ومتطلبات المجتمع، مع الالتزام بالمعايير الأكاديمية العالمية والحفاظ على قيم وسياسات واستراتيجيات الدولة. قلم «بو خالد» لعب «قلم بو خالد» دوراً كبيراً في مستقبل عائشة بالخير التي كانت تتطلع إلى الحصول على بعثة دراسية لأمريكا، ولكنها أمضت وقتاً طويلاً في انتظار وكيل الوزارة آنذاك ليعتمد أوراق البعثة، لينفرج الباب ويدخل «بوخالد» ويوقع أوراقها بقلم من الذهب، ووجه «أرجو إجراء اللازم فوراً»، ومد يده لها بالقلم، وقال: خلي عندك هذا القلم وتذكري به هذه اللحظة.لم يكن بوخالد الرجل الذي كانت تنتظره، ولكنه كان الرجل الذي ينتظرها وبيده قلم مستقبلها. محطات لا تنسى من المحطات التي لا تنسى للمغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران تريم، مواقفه الصارمة في وجه الدروس الخصوصية، حيث منع من خلال تعميم نادر بتاريخ 28 ديسمبر 1972 الدروس الخصوصية، في خطوة حازمة منه للتصدي لتلك الظاهرة في المجتمع المدرسي، ووجه جميع العاملين في الميدان التربوي بأن الدروس الخصوصية لا تتفق مع الوزارة وأنظمتها، وطالب المسؤولين بالإبلاغ عن كل الحالات من هذا القبيل، مؤكداً أن كل من يخالف ذلك سيعرض نفسه للإجراءات القانونية. وفي محطة أخرى، اعتبرها الكثيرون أنها تاريخية، إذ أعلن الدكتور عبد الله عمران من خلال تعميم بتحويل المعلمين والمعلمات وسائر الأجهزة التعليمية، مما يسمى بمكتب دولة الكويت إلى ملاك وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومراجعتها فيما يتعلق بالشؤون المالية والإدارية والتعليمية، حيث كان العاملون في التعليم قبل قيام الاتحاد على قوة ما يسمى بمكتب الكويت. تعليم اللغات قالت خولة المعلا وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد الأسبق، إن مناهج الدولة شهدت أول تطوير لها على يد المغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران، وتأسست مرحلة التطوير على يده تنفيذاً لتوجيهات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فبدأ تطوير التعليم، ليشمل الإناث والذكور الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الحكومية مجاناً، ليظهر في ما بعد التعليم الخاص متمماً لجهود الحكومي، وموفراً التعليم لأكثر من 40% من الطلاب الذين يدرسون في دولة الإمارات، وركز التعليم الخاص على تعليم اللغات الأجنبية الإضافية، لكثير من المواطنين وأبناء الجاليات المختلفة، إضافة إلى اعتماده مناهج متنوعة لبعض المواد، مثل العلوم والرياضيات وغيرهما.
مشاركة :