أحيت «سيدة المقام العراقي»، الفنانة فريدة، أمسية طربية استثنائية في ختام مهرجان القرين الثقافي الـ 24 على مسرح عبدالحسين عبدالرضا. أُسدل الستار، أمس الأول، على فعاليات مهرجان القرين الثقافي، بدورته الـ 24، بحفل طربي بامتياز، أحيته «سيدة المقام العراقي»، الفنانة فريدة، التي أبحرت بين مختلف الإيقاعات وشتى الألوان، بصوتها المخملي، وحسها المرهف، وأدائها المتزن، على مسرح عبدالحسين عبدالرضا بالسالمية، أمام حضور جماهيري كبير زحف ليستمتع بمجموعة من أبرز أعمالها، حيث أطربت الحضور، ودغدغت المشاعر. فريدة واحدة من مريدي التراث الغنائي العراقي قدَّمت تشكيلة من ألوان الغناء العراقي المستمدة من عبق التراث الجميل والأصيل، صاحبتها خلال الحفل فرقة موسيقية بقيادة المايسترو الفنان د. محمد كمر. وفي الموعد المحدد كان الجمهور قد ملأ مسرح عبدالحسين عبدالرضا عن آخره، من شتى الدول ومختلف الثقافات، جاؤوا يحدوهم الأمل بأمسية استثنائية، وما هي إلا دقائق، حتى اعتلى المسرح أعضاء الفرقة الموسيقية، بقيادة المايسترو كمر. بعد ذلك، استقبل الحضور فريدة بموجة من التصفيق، وما كان منها إلا أن ردَّت التحية بأفضل منها، بابتسامة وجدت طريقها سريعا على محياها، لتبدأ برنامجها المتخم بالعديد من الأغنيات المميزة التي انتقتها بذكاء، لترضي جميع الأذواق. وتضمَّن برنامج الحفل 16 أغنية مختلفة الألوان والقوالب الفنية، منها الرومانسي، والهادئ، وبعضها سريع الإيقاع، لكن ما يجمع بينها أداء فريدة الراقي المتزن، وتمكنها من أدواتها، فملكت المسرح، وكانت تعرف كيف تدير الحفل وتخاطب الجمهور، ليس فقط بالغناء، بل بنظرات العيون. «أم العباية» استهلت فريدة على وقع أغنية «بنيه ويا بنيه»، ومنها إلى «أم العباية»، لتمضي في برنامجها مدفوعة بتفاعل الجمهور، فتشدو بـ»هذا مو إنصاف منك»، من كلمات إبراهيم، وألحان صالح الكويتي، تلتها بـ»يا أعدل الناس» للمتنبي، ثم أهدت جمهورها «بسكوت أون» و»تمشي وتصد عين بعين» و»عن دربه ميلو»، التي أعدها موسيقياً محمد كمر. وتنهل فريدة من بحر التراث العميق درر الكلمات والألحان، فتشدو بـ»كل ما أمر على داركم»، كلمات فلفل كرجي، وألحان يوسف يعقوب، ثم تختار أغنية «يابه يابه شلون عيون»، ومنها إلى «يا صياد السمك» و»يا الولد» و»ما أريده»، من ألحان عباس جميل، فيما أعدَّها موسيقياً المايسترو كمر. وتنتقل فريدة إلى مقام عجم، فتغني «أي شيء في العيد»، وهي من أشعار إيليا أبوماضي، ثم تتألق على وقع أنغام أغنية «طالعة من بيت أبوها» و»خدري الشاي خدري»، قبل أن تودِّع المسرح وقد تركت لدى الجمهور ذكرى سوف تلازمهم لسنوات. وعقب الحفل، ثمَّنت الفنانة العراقية فريدة في تصريح صحافي دعوة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، للمشاركة بإحياء ليلة ختام مهرجان القرين الثقافي بدورته الرابعة والعشرين، مقدمة الشكر للأمين المساعد لقطاع الثقافة محمد العسعوسي. وعبَّرت عن سعادتها الغامرة بالعودة للغناء على مسارح الكويت مجددا، لاسيما هذا الصرح العملاق، الذي يحمل اسم الراحل عبدالحسين عبدالرضا، بعد مشاركتها الأولى خلال الدورة الخامسة عشرة للمهرجان، والغناء على مسرح الدسمة آنذاك. ذكريات جميلة وقالت «سيدة المقام العراقي» إنها تحمل ذكريات جميلة في الكويت، التي غنت بها من قبل، مضيفة: «هذا إلى جانب أن هذا البلد يزخر بشتى ألوان الفنون، ويتميز بالريادة في الغناء والثقافة والفنون والآداب»، لافتة إلى أن سعادتها لا توصف بالوقوف أمام الجمهور الكويتي المحب للأغنيات التراثية العراقية، مؤكدة أن إعادة إحياء المقامات العراقية مسؤولية يتحمَّلها جميع المبدعين العراقيين، للحفاظ على إرث العراق الفني. يُذكر أن الفنانة فريدة سبق أن غنت في الكويت قبل استضافتها مرتين بمهرجان القرين الثقافي الرابع والعشرين والخامس عشر، حيث وقفت على مسرح الدسمة عام 1989 في أول حفل غنائي رسمي لها خارج العراق، واشتهرت بغناء المقام العراقي، الذي له أسلوب وقواعد خاصة محددة في الغناء. والمعروف أن المطربة فريدة بن محمد بن علي الأسدي من مواليد كربلاء عام 1963، وبدأت الغناء منشدة في فرقة الإذاعة عام 1979، وتأثرت في مستهل حياتها الغنائية بالمطربتين زهور حسين وسليمة مراد، ودخلت معهد الدراسات النغمية، وتعلمت أصول المقامات على يد شعوبي إبراهيم، وتميَّزت في الغناء البغدادي، وهي تحفظ 21 مقاما، تؤديها بصوت عذب ورشيق، ولديها القابلية على أداء الأبوذية والبستة البغدادية. المقام العراقي وتعد فريدة من الأصوات النسائية التي سجلت حضورا متميزا في مجال أداء المقام العراقي بشكل خاص، والأغنية العراقية بشكل عام، وتقف الآن، وبكل جدارة مستحقة، في طليعة الأصوات النسائية العراقية، وساعدها في ذلك دراستها الأكاديمية المتخصصة في علم الغناء بمعهد الدراسات الموسيقية في بغداد، والتي منحتها الحصانة العلمية. وتمتلك فريدة صوتا عذبا وإمكانيات قوية واسعة تمتد إلى إرث غنائي أصيل، إلى ديوانية «أوكتافين» في الموسيقى العربية، وهذه المساحة الصوتية وإمكانياتها الأدائية المتمكنة ساعدتها في أداء مجموعة كبيرة من المقامات العراقية التي قاربت الـ 20 مقاما، وبعد التخرج في المعهد، حيث كانت ضمن الطلبة العشرة الأوائل، وتشجيعا من الفنان العراقي الكبير منير بشير، تم تعيينها في نفس المعهد كمعيدة وأستاذة لمادة المقام العراقي، وبذلك تكون أول امرأة تقوم بهذه المهمة، حيث عملت في مجال تدريس المقام العراقي عام 1990.
مشاركة :