شهدت أوروبا أحداثاً مهمة جعلت الساسة والمراقبين يقارنون بين تطورات تاريخها ومجريات أمورها المعاصرة، ويمكن تلخيص ما آلت إليه الأوضاع في أوروبا المعاصرة بإجراء مقارنة بين مقدمة تقرير الاتحاد الأوروبي عن «استراتيجية الأمن الأوروبي» الصادر في عام 2003 ومقدمة تقريره الصادر في عام 2016، ففي التقرير الأول تقول مقدمته: «لم تكن أوروبا أبدا أكثر رخاء أو أمنا أو حرية من الآن»، وعلى النقيض من ذلك يذكر التقرير الثاني الصادر بعد ثلاثة عشر عاما من التقرير الأول أن «أوروبا تعيش أزمة وجود سواء في داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، فاتحادنا مهدد، ومشروعنا الذي حقق سلاما غير مسبوق ورخاء وديمقراطية أمسى محل تساؤل بشأن مستقبله».يسرد التقرير أسباب هذا التراجع العنيف والاختلاف البين فبعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت إرهاصاتها الأولى في عام 2007 فقدت أوروبا عقدا كاملا من التنمية والنمو.في هذا الصدد يمكن قراءة كتاب «أوروبا تاريخ موجز» لجون هيرست وترجمة محمود محيي الدين، والكتاب ترجم إلى تسع لغات، وظهر في قائمة أفضل الكتب، ويتناول بأسلوب شيق التاريخ الأوروبي بعصوره المتتابعة.الكتاب غير معني بتناول موضوعات التاريخ كقصص لها بداية وعقدة ونهاية سعيدة أو تعيسة، لكنه يركز على المكونات الرئيسية للحضارة الأوروبية وكيفية تفاعل هذه المكونات مع تطورات التاريخ تأثيرا وتأثرا عبر الزمن، ومع ذلك لا يخلو من رواية وقائع تاريخية ذات دلالة بأسلوب قصصي رغم ما تنطوي عليه من مآسٍ إنسانية مثل قصة إعدام ولدي بروتوس اللذين وافق على إعدامهما إعلاء لقيم الجمهورية في روما، أو واقعة قسم أبناء هوراتي الثلاثة الذين ذهبوا للمبارزة فعاد واحد منهم فقط، ففقدت العائلة اثنين من أبنائها وخطيبا لابنتهم كان في جانب العدو فقتل على يد أحد أشقائها من أجل روما، ولما رآها شقيقها العائد تنتحب على خطيبها المقتول بدلا من الفرح بالنصر قتلها هي أيضا من أجل روما.
مشاركة :