عاد التأزم الذي يشهده لبنان من الشارع إلى الأروقة السياسية أمس، بعدما تسبب تسريب فيديو يصف فيه رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، رئيسَ البرلمان نبيه بري بـ «البلطجي»، بتصعيد التوتر القائم منذ أسابيع بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري نتيجة تراكم الخلافات على الصلاحيات وتوقيع مرسوم أقدمية بعض الضباط، وكيفية تطبيق قانون الانتخاب. وباستثناء وقفات تضامنية مع بري أمس في النبطية وبنت جبيل وتبنين الجنوبية لأنصار حركة «أمل»، وقطع طريق نفق سليم سلام بالإطارات المشتعلة في بيروت مساء، تراجع الاحتقان الذي كان الشارع مسرحاً له في بيروت وضاحيتها ومناطق جنوبية وبقاعية وكاد يأخذ منحى تصادمياً أول من أمس، وحلّت مكانه المواقف السياسية الملتزمة حفظ الاستقرار من الجانبين، لكن من دون مخرج يسمح بتنفيس الأجواء المكهربة، وسط معلومات تستبعد تجاوب باسيل مع مطلب وزراء وبعض محيط بري الاعتذار العلني، والاكتفاء بما صدر عنه ليل الأحد بعد إذاعة الفيديو بالإعراب عن أسفه لما تسرب «لأنه خارج أدبياتنا». واستفاد الرئيس عون من التظاهرات المتضامنة مع بري وبلغت المركز الرئيسي لـ «التيار الحر» في منطقة سن الفيل وما رافقها من تشنج على الأرض، ليخرج عن صمته أمس في بيان يساوي بين إساءة باسيل لبري وبين التحرك في الشارع وانفلات الغرائز على مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتبر أن «ما حصل على الأرض خطأ كبير بني على خطأ، لذلك فإني من موقعي الدستوري والأبوي أسامح جميع الذين تعرضوا لي ولعائلتي، وأتطلع إلى أن يتسامح أيضاً الذين أساء بعضهم إلى بعض». ولاقى «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بعد اجتماعه برئاسة باسيل، بيانَ عون معلناً «تجاوبه» مع مناشدته التسامح، مذكراً بأن باسيل استدرك تسريب ما قاله بأنْ عبّر عن أسفه لذلك. وأشار بيان التكتل إلى «الاعتداء» على مركز «التيار الحر» ورأى أن «الكرامات متساوية». وأكد أن العمل «لاستعادة حقوق الشراكة لن يتوقف كائناً من انزعج». وفيما قالت مصادر بري إن لا تعليق لها على ما صدر عن عون، فإن رئيس المجلس استبق بيان الرئاسة بتأكيده: «لن أسمح بشيء يهدد الاستقرار ووحدة لبنان واللبنانيين»، وأنه ليس خائفاً على الانتخابات النيابية. وكان زوار بري نقلوا عنه أنه كان دعا إلى التهدئة منذ مساء الأحد مع أن محطة «أو تي في» (التابعة للتيار الحر) «كانت تناولتني، لأن ما يهمني حفظ الاستقرار، لكن بعد تسريب الفيديو طلبت من قيادات أمل ونوابها عدم الرد لأني كنت أتوقع من الرئيس عون أن يبادر إلى الاتصال آخذاً على عاتقه معالجة الأمر مع باسيل، خصوصاً أنه تطاول على رئيس البرلمان بتعابير غير لائقة، لكن الرئيس عون لم يتدخل، ما فتح الباب أمام ردود الفعل الغاضبة ولم يعد لدى باسيل سوى أن يعتذر علناً». وسأل إذا كان هدف التطاول على رئيس البرلمان التسبب بأزمة وفلتان في الشارع لتأجيل الانتخابات وتحميل مسؤولية ذلك لقوى 8 آذار ولتسديد فاتورة لمن يريد هذا التأجيل. وترك مستوى التأزم تداعيات كثيرة واستبعدت مصادر رسمية عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع. وأدى التحرك الميداني وقطع الطرقات بالدواليب المشتعلة ليل أول من أمس، من أنصار «أمل» وبري، إلى صدور مواقف من قيادات عدة رفضت نقل التأزم إلى الشارع، أبرزها من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي قال: «لا نستطيع أن نقبل ما حصل البارحة، لأنه انتهاك صريح لمنطق الدولة ووجودها وتعد مباشر على حقوق المواطنين الذين لا ذنب لهم». ودعا إلى أن تبقى الصراعات «بعيداً من لغة الشارع ومن تهديد الاستقرار السياسي والانتظام العام». كما أن كتلة «المستقبل» النيابية اعتبرت أن «العودة إلى استخدام الشارع وسيلةً لبت الخلافات السياسية، أسلوبٌ غير مقبول يفسح المجال للمصطادين في الماء العكر». ومن تداعيات الأزمة أيضاً انعكاساتها على مؤتمر الاغتراب اللبناني في أفريقيا الذي يرعاه باسيل الجمعة المقبل في أبيدجان، مع دعوات إلى مقاطعته من وجوه اغترابية لا تقتصر على الطائقة الشيعية بل تشمل مغتربين من طوائف أخرى، ومنهم رئيس غرفة الصناعة والتجارة في ساحل العاج جوزيف خوري، كما قالت مصادر معنية لـ «الحياة». وعلى رغم دعوات إلى تأجيله في ظل إصرار باسيل على عقده، فإن مسؤولي مصارف كانت ساهمت في تمويل جزء من كلفته، اعتذروا عن عدم حضوره.
مشاركة :