في ظل مئوية الشيخ زايد، أعلنت دارة السويدي الثقافية في أبوظبي عن قرب صدور ثلاث رحلات جديدة في إطار سلسلة «مائة رحلة حج» إلى اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وقال راعي المشروع الشاعر الإماراتي محمد أحمد بن خليفة السويدي: إن سلسلة الحج المهداة لاسم الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها الحديثة تأتي عرفاناً منا بما قدمه المغفور له إلى أبناء الإمارات والإنسانية جمعاء. وأضاف: إن سلسلة رحلات الحج تمثل إضافة إلى المكتبة العربية، وتضم رحلات كُتبت بأقلام رحالة علماء وكتاب عرب، مشارقة ومغاربة، على مدار أكثر من 500 سنة، ويتم تحقيقها على أيدي أكاديميين وفق أحدث المناهج العلمية والبحثية. رحلات الحج تعد فرعاً من أدب الرحلة ولها قيمة كبيرة لما تزخر به من معارف وعلوم مختلفة. وقال مدير مشروع «ارتياد الآفاق» نوري الجراح، إن رحلات الحج تعد في الثقافة العربية أدباً قائماً بذاته، وهي فرع من أدب الرحلة له قيمة كبيرة لما يزخر به من معارف وعلوم مختلفة، ولما يرسمه على طول خط السير والسفر من علامات وإشارات متتالية، تصنع كلها عبر توالي المحطات الحضارية التي يمر بها سِفراً حضارياً ضخماً ومتكاملاً من أسفار النشاط الإنساني المادي والروحي للمسلمين عبر العصور. والرحلات الثلاث المعدة للنشر هي: «الرحلة الناصرية الكبرى 1782» لمحمد بن عبدالسلام الناصري، حققها وقدم لها ذي المهدي الغالي. وينتمى محمد بن عبدالسلام الناصري، صاحب هذه الرحلة، إلى الزاوية الناصرية، وهي من أهم الزوايا التي اضطلعت بدور كبير في صيانة الثقافة الإسلامية والمحافظة عليها، رغم تزامن تأسيسها مع اضطرابات سياسية واجتماعية عرفها المغرب إبان أفول الدولة السعدية وقيام الدولة العلوية. والرحلة هذه هي أشمل مؤلفاته وأوسعها، احترم في تدوينها قواعد التصور المنهجي للتأليف، لتكون كما أراد لها «ديوان علم وسمر». وهو يعمد إلى التطرق إلى كل ما يلاحظه أو يعيشه خلال الرحلة، مع الحرص على التفاصيل، سواء في الوقوف على المراحل أو الأماكن، أو ما يعترض الحجاج، ويستطرد في شرح الأحداث والوقائع ودواعيها مع الإتيان بالأدلة والنقول، ما جعل الرحلة تخرج في حجم كبير، غني بالمعارف والطرائف، بأسلوب يجعلك تجوب معه مختلف مراحل الرحلة دون أن تشعر بالملل أو الضياع. والنص يجيب عن العديد من الأسئلة من قبيل: أهداف وغايات الرحلات الحجازية؟ كيف كان المغاربة ينظمون ركابهم؟ من كان يخرج للحج؟ ما هي أهم المحطات التي ينزلون بها والأهوال التي تعترضهم؟ وما طبيعة التأثيرات المتبادلة مع سكان المناطق التي كانوا يقصدونها في حلهم وترحالهم؟ وكيف كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية والمذهبية والعلمية بالمغرب والمشرق الإسلاميين يومئذ. و«من المغرب إلى الحجاز عبر أوروبا 1857» لمحمد الغيغائي العمري الوريكي، حققها وقدم لها الدكتور سليمان القرشي. وهي يوميات رحلة حجية فريدة تنتمي إلى القرن الـ19، قام صاحبها الغيغائي بها في أواسط شهر شعبان من سنة 1857 واستمرت تسعة أشهر. وكان منطلقه من مدينة مراكش عبر الصويرة فطنجة التي غادرها على ظهر سفينة تجارية في اتجاه جبل طارق، ثم جزيرة مالطة فمصر عبر بوابة الإسكندرية، وقد نالت مصر نصيب الأسد من السرد والوصف باعتبار مكانتها المهمة لدى الرحالة المغاربة. في هذه اليوميات يتجلى الجانب الذاتي في تعبير الرحالة المغربي عن لواعجه وأحاسيسه نحو أقدس الأماكن الإسلامية. أما العامل الموضوعي خلف الاستفاضة في وصفها، وسرد أحوال الإقامة في مكة، فهو ضرورة التعريف بالمناسك وبفضائل البيت، فهي تضطلع بواجب تعليمي. وفي المدينة المنورة يحضر الجانب الروحي والوجداني، وتتكثف الأحاسيس وتتزاحم العبارات لاسيما لدى الوقوف على القبر النبوي المبارك، وهو في رحلات المغاربة يستدعي قصائد المديح. «رحلة حاج مغربي في زمن الحماية الفرنسية 1930» لإدريس بن محمد بن إدريس الجعيدي السلوي، حققها وقدم لها الدكتور عزالمغرب معنينو. كتب إدريس الجعيدي الحفيد رحلته الحجازية هذه سنة 1930 معتبراً إياها تكملة لما سبق أن كتبه الأمير شكيب أرسلان في رحلته المسماة «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف»، التي وضعها في سنة 1929، ونشرت طبعة محققة لها في سلسلة رحلات الحج التي يصدرها مشروع «ارتياد الآفاق». وما يجدر ذكره أن الحج كان يومها بمثابة منتدى تتوطد من خلاله سنوياً أواصر التعارف والتعاون والنضال ما بين المفكرين والعلماء العرب والمسلمين، فالأمير أرسلان أثناء رحلته إلى بلاد الأندلس سنة 1930 عرج على مدن شمال المغرب كضيف على رجال الحركة الوطنية في وقت كان رجال الفكر ببلاد الشام يرحبون بإدريس الجعيدي ورفاقه المغاربة.
مشاركة :