في فترة سابقة كانت الشؤون الثقافية تحت إدارة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وفي عام 1424ه صدر قرار مجلس الوزراء بتعديل مسمى وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة والإعلام. ومنذ ذلك الحين للثقافة وكالة خاصة ضمن وزارة الثقافة والإعلام، ورغم تطلع كثير من المثقفين آنذاك بأن وضع الثقافة وأنشطتها ضمن وزارة الإعلام قد يحرك المياه الراكدة، ويفعّل كثيراً من القرارات والمقترحات والأنشطة الثقافية التي كانت تدور في أكثر من اتجاه دون إحراز تقدم إلاّ كثيراً من هذه التطلعات لم تتحقق على أرض الواقع، فما زالت الثقافة تراوح في مكانها ومربعها الأول دون أن ننكر بعض الإسهامات والمشاريع التي أنجزت خلال الفترة الماضية. وإدراكاً من الحكومة لأهمية تنشيط الدور الثقافي في المجتمع السعودي وبسبب الركود الحاصل في أروقة الوزارة تجاه الثقافة ومناشطها صدر عام 1437ه قرار بإنشاء هيئة للثقافة يرأس إدارتها وزير الثقافة والإعلام. ورغم التفاؤل الكبير الذي صاحب صدور هذا القرار إلا أنه بدأ في التبخر بسبب التباطؤ الكبير الذي ظل يصاحب القرار للبداية في تفعيله، وبمقارنته بقرار إنشاء هيئة الترفيه في الوقت نفسه وما نتج عن هيئة الترفيه من بداية جادة وقوية مقارنة بتجمد في أروقة الهيئة الثقافية الجديدة أصيب المثقفون بإحباط آخر. هذه المقدمة أعلاه بدأتُ بها للدلالة على أننا في الشأن الثقافي حتى اللحظة لم نُصِب المفصل ولم نقع على الموقع الصحيح للثقافة وهيئتها الجديدة، وقد كنت منذ فترة طويلة خاصة بعد عام 1429ه، حيث صدر قرار مجلس الوزراء بتغيير مسمى «الهيئة العليا للسياحة» ليصبح اسمها الجديد «الهيئة العامة للسياحة والآثار» أتساءل لماذا تفصل الثقافة عن الآثار، ولماذا تعمل هاتان الجهتان منفصلتان مع أن الترابط بينهما علمياً وإدارياً هو شأن عالمي متعارف عليه؟ علمياً لا يمكن أن تكون هناك ثقافة قوية وحصينة وذات أثر بعيد ما لم تكن لها حضارة قديمة متمثلة في آثارها التي تشكل تراثها الحسي والمعنوي، وفي المقابل فإن مهمة الثقافة الأولى هي المحافظة على هذا التراث وتلك الآثار وإمدادها بعوامل الاستمرار والبقاء. والحضارة والتراث والآثار هي عملية تواصل بين الأجيال وبين الأمم كذلك، وهذه العملية الشاقة والممتعة لا يمكن أن يقوم بها إلا العلميات الثقافية التي يخطط لها إستراتيجياً وتنفيذياً، وتتحول بالفعل الثقافي المستنير إلى برامج وأنشطة وفعاليات في التعليم والإعلام والسياحة والأندية الأدبية والثقافية وغيرها. لذلك إذا أردنا للثقافة أن تنجح في مهمتها الأولى لا بد من جمعها مع رافدها الأكبر وهو التراث والآثار، وإذا أردنا لتراثنا وآثارنا أن تستمر في عمليات التواصل والانفتاح والثبات المعهود ينبغي أن تكون محاطة بثقافة ومثقفين على قدر كبير من الوعي والتلاحم. وإذا نظرنا إلى كثير من دول العالم خاصة تلك الدول التي لديها حراك ثقافي متميز في أنشطتها المختلفة وفعالياتها الثقافية المتنوعة وحركة الترجمة والتأليف والنشر فسنجد أنها تجمع في مؤسساتها بين الثقافة والآثار إما في اسم المؤسسة المعنية أو ضمن مهامها ومسؤولياتها. والجيران في الخليج الشقيق كذلك يجمعون بين الثقافة والآثار في هيئات مستقلة ولديهم مشروعات متميزة خصوصاً في مجال النشر والترجمة. وإذا نظرنا إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية فسنجد أنها تتمتع بتاريخ طويل وتجربة فريدة ومتميزة إلى حد كبير، خصوصاً في حراكها الأخير من أجل خدمة التراث والآثار وما حققته من نتائج مبهرة، لذلك فهي تمتلك تجربة ورؤية وإستراتيجية واضحة، وفي تقديرنا نرى أنها قادرة على أن تضم تحت جناحها الوارف هيئة الثقافة السعودية، خاصة أن الهيئة ما زالت في خطوتها الأولى بما يمكن أن نتدارك به الأمر ويجتمع الشتيتان معاً في بناء موحد ورؤية متسقة تخدم التراث والآثار والثقافة. وإضافة إلى ذلك فإن الهيئة العامة للسياحة والآثار تتمتع بقيادة أميرها المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان آل سعود وهو عقلية قيادية فريدة من نوعها، وقريبة جداً من قلوب وعقول المثقفين، ويمتلك الحس بأهمية هذا التواصل بين الثقافة والتراث والآثار، ولديه المقدرة على إدارة دفة المثقفين الذين هم بحاجة إلى قيادة إدارية فاعلة وقوية ومؤثرة، وتتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب؛ لتتمكن الثقافة من القيام بدورها الفاعل والمرتقب منذ عقود. وأعتقد أننا بهذه المبادرة إذا تحققت في هذا الوقت المبكر من إنشاء هيئة الثقافة سنتدارك الكثير مما فات سابقاً، فما زلنا في المربع الأول، ومن خلال هذا الدمج الفني والإستراتيجي يمكن أن توفق الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى تقديم البرامج الفاعلة والقوية في محور الاستثمار الثقافي، من خلال تجاربها العديدة في الاستثمار السياحي، وهو محور في غاية الأهمية إذا عرفنا مدى الثروة الثقافية والتراثية للمملكة العربية السعودية وخططنا للاستثمار فيها بنجاح. ويمكن أن يكون مسمى الهيئة الجديد هو الهيئة العليا للثقافة والسياحة والآثار، أو قد تتحول إلى وزارة ذات كيان يليق بالأدوار التي تقوم بها في خدمة هذا البلد العظيم بدلًا من التشتت الذي وقع في فترات سابقة. وعليه تتفرغ وزارة الإعلام للعبء الإعلامي الكبير الذي تنوء بحمله خاصة مع تحولات الإعلام المعاصر وتقنيات الإعلام الجديد وما تخوضه المملكة من معارك إعلامية مع كثير من الخصوم، وحاجتها الماسة إلى إعلام خارجي يواكب النهضة الحديثة للمملكة وينقل صورتها بكل احترافية.. وإذا نجحنا في عملية الضم بين الثقافة والآثار سنقول مع شاعرنا القديم: قد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا! * عضو مجلس الشورى
مشاركة :