المخرج السوري أنور قوادري الذي سبق له أن قدّم فيلما عن الراحل تم إنتاجه سنة 1998، عن الفيلم والتجربة التقت “العرب” المخرج السوري في دمشق، فكان هذا الحوار.العرب نضال قوشحة [نُشر في 2018/02/02، العدد: 10888، ص(16)]فيلم نادر عن شخصية إشكالية دمشق – قدّم الفنان السوري والمخرج السينمائي الأكاديمي أنور قوادري المقيم في إنكلترا، في مصر ومن خلال إنتاج سوري لبشير غية فيلم “جمال عبدالناصر” إنتاج 1998، والذي أحدث حينها عاصفة من الآراء بين مؤيد له ومعارض. وقد صدرت حينها العديد من الآراء الصحافية التي عبّرت عن مواقف سلبية تجاهه، ثم وقع التعتيم على الفيلم لسنوات، إلى أن جاءت ذكرى ميلاد عبدالناصر في مئويته الأولى لتعيد الاعتبار للفيلم، من خلال تكريم بطله خالد الصاوي قبل أيام في القاهرة، والذي سيعقبه في أكتوبر القادم تكريم لمؤلف ومخرج الفيلم أنور قوادري، ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي. الفني والسياسي عن هذه التجربة وتداخل الفني السينمائي بالسياسي، يبيّن أنور قوادري أن “علاقة السينما بالسياسة قديمة منذ نشأة الفن السابع، فمعروف أن تشارلي شابلن قدّم في سينماه قضايا السياسة والحكم والاستبداد، كذلك غريفث حينما قدّم فيلم ‘مولد أمة’ في أميركا، هي علاقة قديمة جدا، وجدت منذ زمن الإغريق، وبعدها كتب في السياسة عن طريق الأدب وليام شكسبير، وعندما ولد فن السينما انتقل هذا الأمر إليها ونشأت السينما السياسية”. وعن فيلمه يقول “بالنسبة لفيلمي ‘جمال عبدالناصر’، هو فيلم تاريخي سياسي يؤرّخ لمرحلة هامة جدا من تاريخ الأمة العربية بطريقة درامية، والفيلم مليء بالرسائل السياسية، أين كنا وأين أصبحنا، تاريخ حافل بجهود دولة تحاول أن توجد مجتمعا قويا متماسكا يقوم على التكافؤ والتكامل في جهود الجميع لبناء مجتمع أفضل، وكذلك أوضحت وجود أجهزة الأمن في تلك الفترة بشكل يتحكم في الحياة العامة، وهو المحور الذي اتخذ في الفيلم شكلا خاصا”.أنور قوادري: الفيلم مليء بالرسائل السياسية التي تطرح سؤال: أين كنا وأين أصبحنا ويؤكد قوادري أنه في حيز زمني مدته ساعتان ونصف الساعة تقريبا، لا يمكن تقديم فيلم يستعرض حياة عريضة وكثيرة المنعطفات، كحياة جمال عبدالناصر، لذلك توجه الفيلم نحو إيصال رسالة، ليست سياسية بل إنسانية، وهي علاقة الرئيس عبدالناصر بصديق عمره عبدالحكيم عامر، وهي الرسالة الإنسانية التي ترتّبت عنها نتائج سياسية لا تزال آثارها على الأمة كلها حتى الآن، والمقصود بها حرب يوليو 67”. ويضيف المخرج السوري “هنا التقى السياسي بالفني، وهذا ما أدخلني في مواجهة مع عائلتي عبدالناصر وعامر، أدت إلى وجود حملة إعلامية واسعة انصبت عليّ، حيث كنت وافدا لمصر ينفّذ فيلما عن عبدالناصر، طبعا هذه العراقيل لم تمنع وصول الفيلم في النهاية، حيث عرض على الجمهور ونال نصيبه من المتابعة، وقد كان للناقد السينمائي علي أبوشادي مدير الرقابة حينها دور كبير في إيصال الفيلم وعرضه، حيث تبنى مقولة الفيلم”. زنوبيا المؤجلة عن إمكانية تنفيذ فيلم في وطنه الأم سوريا وطموحاته في ذلك، يقول أنور قوادري “بدأت المحاولات منذ وجود والدي كمنتج سينمائي في سوريا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولكن الأمور لم تتبلور بسبب عدم انجذابي للمواضيع التي كانت تقدم حينها في السينما السورية، لاحقا كنا سننفّذ فيلما عن زنوبيا، وكان هنالك اتصال بين المنتج المصري عادل حسني، ووزير الدفاع حينذاك في سوريا مصطفى طلاس، وكانت الفكرة أن ينتج كشراكة بين المؤسسة العامة للسينما والطرف المصري، وفعلا، جاء إلى سوريا المنتج المصري محسن علم الدين موفدا من عادل حسني، وعقدت اجتماعات رسمية بين الأطراف المهنية، ولكن للأسف لم تكتمل ظروف العمل الطبيعية، وتوقّف تنفيذ العمل من حينها، وما زلت أطمح إلى أن أقدم عملا سينمائيا في وطني الأم سوريا، كما قدمت فيها عملين تلفزيونيين، وهما مسلسلا “سحر الشرق” و”عرب لندن”. وعن التكريم الذي ناله خالد الصاوي والذي سيناله هو لاحقا يبيّن قائلا “أنا سعيد بهذا التكريم للفنان الكبير خالد الصاوي، الذي قدّمته في دور عبدالناصر في هذا الفيلم، وصار بعدها نجما سينمائيا وتلفزيونيا هاما، وكنت أراهن عليه وصحّ رهاني، كذلك قدّمت في الفيلم خالد صالح في دور مدير المخابرات، وغادة عبدالرازق بدور برلنتي عبدالحميد”. ويذكر قوادري أن الكثيرين اتهمونه بأنه يقدّم فيلما عن شخصية كبيرة، بفنانين غير نجوم، ولكنه راهن عليهم وصاروا كذلك بعد الفيلم، ويضيف “أنا سعيد بهذا التكريم الذي يسعدني أن يتلوه تكريم لي في الدورة القادمة لمهرجان الإسكندرية السينمائي في أكتوبر المقبل، حيث سيعرض الفيلم وأكرّم فيه كوني كاتب ومخرج الفيلم”. وهو ما اعتبره رد اعتبار للفيلم وله شخصيا بعد فترة التعتيم التي عانى منها الفيلم خلال الفترة الماضية، إذ لم يعرض إلاّ على قنوات التلفزيون الخاصة، ويضيف “فيلمي، هو الوحيد الذي قدمّ فترة شبه كاملة من حياة الزعيم عبدالناصر، منذ فترة انتسابه للكلية الحربية وحتى تاريخ وفاته، على عكس بقية المحاولات التي قدّمت فترات محدّدة، مثل فيلم ناصر 56 الذي قدّم مئة يوم من تاريخ حياته، وهي حرب السويس، بينما فيلمي غطى مرحلة أطول، وحظي بالكثير من المتابعة من الجمهور المصري وكذلك الكثير من أهل الفن والنقد بمصر الذين كانت وما زالت تربطني بهم علاقات متميزة وإيجابية، وتكريم خالد الصاوي هو تكريم لي وللفيلم، تحت عباءة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر”.خالد الصاوي في دور جمال عبدالناصر وعن واقع السينما العربية اليوم وآفاقها المستقبلية، يرى “واقع السينما العربية لا يسر، السينما العربية في العالم العربي زمن الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت أفضل، وكانت تنافس على شباك التذاكر، الآن الاهتمام اتجه للتلفزيون حتى في مصر لا يعرض الفيلم المصري إلاّ ترويجا لنجم أو نجمين يمثلان فيه وليس لقيمته ومضمونه، وهذا أمر خطير جدا على مستقبل السينما في مصر والعالم العربي”. ويرى قوادري أن مصر باتت تفتقر لداعم في المجال السينمائي، وسوقها العربية تكاد تنتهي في صالات العرض السينمائي على عكس ما كان يحدث، حيث هجر نجوم السينما إلى التلفزيون، وباتت الأفلام التجارية الاستهلاكية هي الطاغية. ومع ذلك يقول “طبعا، لا يخلو الأمر من بعض المحاولات الفردية التي تقدّم سينما نظيفة حقيقية، لكن هؤلاء دون دعم أو حاضن، إذ لم يعد هنالك في مصر المنتج الفنان مثل آسيا وحلمي رفلة ورمسيس نجيب، علاوة على تعدّد النجوم الذين يطالبون بأرقام كبيرة تستهلك معظم الطاقة الإنتاجية للفيلم، كذلك الأمر في سوريا، هنالك إنتاج المؤسسة العامة للسينما التي تنتج سنويا أربعة أو خمسة أفلام وتدعم بعض الأفلام للشباب، وهذا جهد تشكر عليه، ولكن هذه الأفلام غير منافسة لتعرض في الخارج، فهي تعرض في الافتتاح ثم في عروض جماهيرية لمدة ما في المحافظات وانتهى الأمر”. ويؤكد أن “الفيلم السوري حاليا غير مروّج خارجيا، أذكر في الستينات كانت دور العرض العربية تتهافت على مكتب تحسين قوادري وأتاسي وغيرهما لكي تنال عروض الأفلام السورية، حتى أفلام المؤسسة العامة للسينما كانت تعرض في دول الخليج، ولكن هذا كله انتهى الآن، لذلك فالسينما السورية كما المصرية ليست في أفضل حالاتها، أما في لبنان فيقدمون السينما بطريقة مختلفة، بحيث يتصدون لأفكار محدّدة غالبا تهم قضايا الشباب، يعرضون فيها تجارب هجينة تشبه التجارب الأميركية، بل أقرب إلى الدراما التلفزيونية التركية، وهذا يلغي الثيمات الكبرى التي عمل على تأسيس وجودها جيل من الرواد”. والفنان أنور قوادري تخرج في الأكاديمية المركزية للعلوم السينمائية والدراما عام 1976، كتب وأخرج الفيلم البريطاني “جوليا” عام 1978، ثم فيلم “غرفة الانتظار” 1980، و”كسارة البندق” عام 1983، و”كلوديا” 1985، وفي مصر قام بإنتاج الفيلم البريطاني السوري المصري “سباق مع الزمن” عام 1993، ثم قدم فيلم “جمال عبدالناصر” عام 1998، كما أخرج مسلسلان تلفزيونيان هما “سحر الشرق” 2000، و”عرب لندن” 2008.
مشاركة :