حكايات سحرية عن الجنرال في منفاه بقلم: عبدالله مكسور

  • 2/2/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

حكايات سحرية عن الجنرال في منفاهشكّلت الأحداث الأخيرة في السنوات القليلة الماضية نبعا حكائيا أمام الكُتَّاب العرب والأجانب، ورواية “حيث يسكن الجنرال” الصادرة منذ أيام تتناول في مساراتها حكاية جنرال قرر في لحظة فارقة من الزمن خلعَ نفسِه من كل تاريخه والحياة بعيداً في ثوب شخصية أخرى، هكذا يبني الكاتب والروائي الأردني المقيم في الإمارات زياد أحمد محافظة، العتبة الأولى من النص الروائي الأخير الذي قدَّمَه باعتماد تام على تفصيلات الصُوَرِ الأقرب إلى كتابة مشاهد السينما في قالب روائي، في هذا الحوار يكشف ضيفنا عن تفاصيل خاصة بعمله الموسوم “حيث يسكن الجنرال”.العرب عبدالله مكسور [نُشر في 2018/02/02، العدد: 10888، ص(15)]الروائي أمام منزل الجنرال في كندا زياد أحمد محافظة، كاتب وروائي أردني، حاز على جائزة أفضل رواية عربية عن روايته “نزلاء العتمة” خلال فعاليات معرض الشارقة للكتاب عام 2015، ويقيمُ بين الإمارات العربية المتحدة وكندا، صدرت له مجموعة من الأعمال التي تحمل في جوهرها طابعاً يمكن تمييزه عن الآخرين، فالعوالم السردية عند محافظة غرائبية سحرية في روايته “نزلاء العتمة” وواقعية سحرية في روايته “أنا وجدي وأفيرام” التي تتحدث عن قصة حقيقية لرجل فلسطيني من العاصمة الإماراتية أبوظبي إلى فلسطين التاريخية. بينما تتخذ تجربته بعداً آخر في روايته الصادرة العام الماضي تحت اسم “أفرهول”، وهي كلمة أردنية شعبية تعني صيانة محرك السيارة عبر إعادة تركيبه قطعة قطعة، في هذه الرواية قدّم الكاتب نظرة بانورامية للعاصمة عمان، نظر إليها من زوايا متعددة وعرضها بتشريح مكثَّف عبر مجموعة من الشخصيات المختلفة التي تتعدد مصائرها. غياب الجغرافيا في روايته الصادرة منذ أيام عن دار فضاءات في الأردن، والموسومة بـ”حيث يسكن الجنرال”، تغيب الجغرافيا كليا في كندا التي تظهر كمنفى اختياري أو اجباري يلجأ إليه الجنرال بطل الحكاية، وفي هذا الحوار يتحدث محافظة عن شخصيات روايته الأحدث، لأسأله بداية عن فكرة الرواية وظروف كتابتها، ليقول “يروقني كثيراً السرد الذي يستمد أوكسجينه من عالم السياسة، لم لا؟ فنحن كشعوب عربية، محكومون للأسف بأنظمة سياسية وعسكرية رجعية، عطلت الحياة المدنية وجثمت على صدورنا وخنقتنا عقوداً طويلة، لذا فهذه التفاصيل اليومية التي تجري أمام أعيننا، مليئة بالقصص والأحداث التي لا تكاد تصدق. من هنا ربما برقت في ذهني فكرة الرواية، كمحاكاة لواحدة من أكثر البؤر السردية سخونة في الشرق، فهي بما تحتويه على قدر كبير من المساءلة والتأمل، جاءت كنص يوازي الواقع ويحاوره، ويمثله ويستجيب لتدفقه وضروراته. ربما الكثير مما حصل من أحداث في الرواية، جاء مشابها لما جرى مع جنرالات وشخصيات سياسية نعرفها أو سمعنا عنها، لكن الرواية ذهبت أبعد من هذا بكثير فمضت عميقاً نحو تفكيك الجانب الشخصي والإنساني في حياة هذا الجنرال، والعذابات التي ذاقها بعد أن ظن أنه قد نجا بنفسه من كمائن الحياة، والأثمان التي سددها تكفيراً عما ارتكبه من بشاعات في حق الآخرين”. حديثه عن البؤر الساخنة في المنطقة العربية، يقودنا إلى الجغرافيا فأسأله عن اختياره لتغييب المكان الجغرافي من جهة وإبرازه في المنفى الاختياري من جهة أخرى “كندا”، ليقول “المكان في النصف الأول من الرواية، تتشابك وتتقاطع فيه الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية والإنسانية، وما رافقها من انعكاس لتلك الأحداث على مصائر الشعوب وتطلعات أفرادها للحرية.المكان هو الفضاء المفتوح، الذي سيمكن القارئ أينما وجد، من وضع المقاربة المكانية التي يراها أقرب إليه وإلى وطنه ومصيره صحيح أن المكان بقي غامضاً دون تحديد لهويته وجغرافيته، إلا أن المتتبع لملامح هذا المكان وتفاصيله سيجد أن المكان المذاب بين سطور الرواية، يكاد يطابق العشرات من الأمكنة في الكثير من دول العالم المخنوقة؛ تلك المحكومة منذ سنين طويلة بقبضة عسكرية حديدية، سواء في شرقنا البائس، أو في غيره من دول آسيوية وأفريقية، وأوروبية شرقية على وجه التحديد في فترة من فترات تاريخها المضطرب، فالمكان هو الفضاء المفتوح الرحب، الذي سيمكن القارئ أينما وجد، من وضع المقاربة المكانية التي يراها أقرب إليه وإلى وطنه ومصيره، الأمر الذي سيذهب بالرواية نحو فضاءات جغرافية جديدة وشاسعة، إيماناً مني بأننا جميعاً نتشارك الحاضر المجهول والمصير الغامض”. مسارات حكائية تلميح ضيفنا للمسارات الروائية التي سارت بها شخصية الجنرال، يقودنا في البحث عن منطق مفهوم لخروج هذه الشخصية من “الوطن”، فلماذا لم يضعه الكاتب في الخندق الآخر للنظام بصفة المعارض؟ وإنما اختار الانزواء في ثوب جديد واسم جديد وحياة جديدة، رغم إمكانية وضعه وفق منطق ما يحدث اليوم في سلَّم البحث عن زعامة أو على الأقل ركوب الموجة “الثورية”. يقول محافظة عن هذا “ربما كانت الوسيلة التي لجأ إليها الجنرال للهروب والانزواء جديدة وغير مألوفة، والدليل كسرها ومخالفتها لتوقعات الكثير من القراء، الذين رأوا ميل جنرالات وسياسيين كثر نحو ركوب موجة الحياد مثلاً وقت الأزمات، أو الانتقال من صف النظام إلى المعارضة، أو الاحتماء المؤقت بأنظمة أخرى إلى حين انقشاع الضباب ومعرفة شكل القادم من الأحداث، عموماً الجنرال في هذه الرواية هو من قرر مصيره وكان عليه بالتالي تحمّل تبعات قراره هذا”. يفرض الاستدراك نفسه بالقول هنا، لكن الموقف من الجنرال “كقارئ” للنص غير واضح، هل أتعاطف معه، هل أكرهه، هل أحقد عليه؟ فلماذا قدمه المؤلف بكل هذا الحياد؟ عن هذا يقول ضيفنا “كما أن للروائي أدواته التي ينظم بها أحداث وخيوط عمله، فللقارئ الحق أيضاً في إطلاق الأحكام التي يراها مناسبة على كل شخصية من شخصيات العمل الذي بين يديه، ومن غير الجائز برأيي أن أوجّه القارئ وأرسم له مسار تطور الشخصية من الألف إلى الياء وأجعله أسيراً لرؤية واحدة؛ القارئ شريك في العمل”.إماطة اللثام عن بعض ممارسات الطبقة الحاكمة التي تدير البلاد وفق مصالحها في استعراض عموم النص نجد غياب البنية الفكرية للشخصيات، بمعنى أن الجنرال أو الدكتاتور أو مجلس الثورة مثلاً، غير مؤدلج بالمطلق، نسأل محافظة لماذا قدّم هذه الشخصيات بهذه الطريقة؟ ليقول “ربما لو كان للدكتاتور والزمرة المحيطة به أي مرجعية فكرية أو ثقافية، أو حتى وطنية حقيقية، لما اختطفوا الدولة وأوصلوها إلى الحالة البائسة التي وصلت إليها، إن مشكلة الدكتاتورية تكمن بإرادتها التي تقوم على اختصار الدولة في شخص رجل واحد وهذا أمر مناف لمنطق الحياة وسيرورتها، فالرواية لم يكن هدفها وفق هذه السياقات تحليل فكرة الدكتاتورية، بقدر سعيها لإماطة اللثام عن بعض ممارسات الطبقة الحاكمة التي تدير دفة البلاد وفق مصالحها وأهوائها، وانعكاس ذلك بالطبع على حياة الآخرين ومصائرهم، لذا فالمشاهد التي تضمنتها الرواية حول الدكتاتور والحلقة العسكرية الضيقة المحيطة به، جاءت في الحدود التي تطلبتها الضرورة الروائية”. عن تقنيات الكتابة، نطرح فكرة أنَّ النص جاء في مجمله على شكل شبَّاك مفتوح على الصورة، فلا يمكن التعامل معه خارج رؤيته كفيلم سينمائي، وكأن هذا النمط من الكتابة يعتمده زياد أحمد محافظة خاصة أن هذا البناء تكرر في روايتيه “أفرهول”، و”أنا وجدي وأفيرام”. يختم الكاتب معلقا “أحب التجريب في عملية الكتابة، وأحاول في كل عمل جديد، تنويع تقنيات الكتابة وقوالبها السردية، وفي هذه الرواية بدت المشهدية البصرية حاضرة بشكل لافت، ربما ساعد على ذلك اهتمام الرواية بالتفاصيل الصغيرة والبناءات الدقيقة للأمكنة والحوارات. كروائي أتمنى أن يكون هذا قد أضاف شيئاً مهماً إلى حبكة الرواية وبنائها العام، وأتمنى رؤية هذه الرواية على الشاشة يوماً ما”.

مشاركة :