الذين يمشون على الأرض هونًا

  • 2/3/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المؤكد أن تواصل البشرية وتعايشها جزء من سمات الكون الذي خلقه الله تعالى وأبدع في صنعه، فلا يمكن أن تستقيم حياة الإنسان بمفرده، خاصة أنه كائن مجتمعي بطبعه، لذلك فإن اندماجه مع المحيطين به ليس أمرًا حيويًا ومطلوبًا فقط، بل حتمية تقتضيها الحياة البشرية. ويستدعي هذا البناء المجتمعي أن يراعي كل منا شعور واحتياجات الآخر، حتى لا نخسر أنفسنا والمحيطين بنا، إذ إنه مهما اختلفت ظروف معيشة الإنسان، فإنه يبقى جزءًا لا يتجزأ من تكوين مجتمعه. ويجب أن نقر مبدئيًا أن سرعة وتيرة الحياة ومتطلباتها وما يحيط بها من شحن بغيض، أفقدت البعض منا الشعور بالآخرين وجمدت أحاسيسه نحوهم، كما جعلته يتلمّس ذلك من الآخرين تجاهه، ما يعني أن المعادلة صارت متساوية في التجاذبات النفسية؛ لأن هناك من مضى وبكل قوته في ركب الحياة العصرية، وقام بعضنا من حيث لا يدري بالانعزال عن الآخرين والالتصاق بأجهزة تكنولوجية، وإن كانت تنقل كلامًا وصورًا إلا أنها لا يمكن أن تنقل أحاسيس ومشاعر، وما نقضيه اليوم أمام التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي أكبر بكثير مما نقضيه في التحدّث والسؤال عن الآخرين وتلمس احتياجاتهم. باختصار، فإننا في حالات كثيرة لا نتحدث معًا بشكل مباشر، حتى لو تحدثنا معًا يكون الحوار متشنجًا، فلم يعد البعض منا يستوعب الآخر، والبحث عن حل لهذه الإشكالية يتطلب العودة إلى ديننا الحنيف ومبادئه القويم، والتأسي بنهج رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته النبوية المطهرة، إذ نجد الحل واضحًا من خلال ما يعرف بـ«المداراة» التي تعني الليونة والمهادنة والتلطف والمرونة والاعتدال، ومعاملة الغير برفق حتى عند رفض أمر ما، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: «ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا قط؛ إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه»، وإذا كانت هذه صفات نبينا الكريم، أليس من الأجدر بنا البناء عليها، حتى نؤسس لحياة مجتمعية قادرة على المضي بركب الحياة؟ إننا بحق في أمس الحاجة إلى المرونة وتصحيح أوضاعنا، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن المداراة لم تكن أبدًا مجاملة أو نفاقًا، بل تؤكد على حسن الصحبة وعدم مجابهة الناس بما يكرهون، وهي تعني في المحصلة الأخيرة كيف يمكنك تحمّل الآخرين واستيعابهم وألا تعاملهم بمنهجهم نفسه الذي قد يكون فظًا ومتشنجًا في بعض الأحيان. لقد خلق الله الإنسان للتآلف والتعارف، ولم يخلقه للتناحر والعداء، لذلك فإن أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وتأملوا معي قول الله تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا».

مشاركة :