عدم مشاركة النساء على نطاق واسع في الحياة السياسية يترك تأثيرا سلبيا لا سيما على البعض من القضايا الخاصة بالمرأة.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2018/02/04، العدد: 10890، ص(20)]نحتاج تصويتها ونرفض أن يعلو صوتها تنصّ أغلب دساتير دول العالم على أحقية النساء في تولّي المناصب السياسية بالبرلمانات والإدارات والهيئات الحكومية، غير أنّ واقع التمثيل النسائي في المناصب الرسمية والسياسية لا يبدو مبعث تفاؤل بدور المرأة الحقيقي في صناعة الحياة. وعلى الرغم من بروز شخصيات نسائية رفيعة في السنوات الأخيرة، فإنّ الفجوة في التمثيل السياسي بين الجنسين لا تزال كما كانت قبل عقود. وترى دراسة أميركية حملت عنوان “الرجال يحكمون” أنّ عدم مشاركة النساء على نطاق واسع في الحياة السياسية يترك تأثيرا سلبيا لا سيما على البعض من القضايا الخاصة بالمرأة. ورصدت الدراسة أسبابا لذلك منها خوف المرأة من البيئة الانتخابية وما يرافقها من منافسة شرسة وحملات إعلامية والثقافة الاجتماعية المحيطة بهنّ. وانتقدت الباحثة تيريز هيوستن، المختصّة في علم النفس المعرفي بجامعة سياتل الأميركية، في كتابها الذي يحمل عنوان “كيف تتخذ النساء قراراتهن” ازدواجية المعايير في نظرة الناس إلى قرارات المرأة والرجل. وقالت الكاتبة “فكرتُ ذات مرة في ما لو أنّ النساء جلسن على الطاولة، فهل ستؤخذ قراراتهن على محمل الجد كما هو الشأن بالنسبة إلى الرجال؟ ولكنني أظن أنهن أنفسهن لا يعتقدن ذلك، فالرجال لهم احترامهم عند اتخاذ القرارات أكثر من النساء خاصة في أماكن العمل، للاعتقاد السائد بأنهن عاجزات عن اتخاذ القرارات الصائبة في مجال العمل”. وأوضحت هيوستن أن البعض من الدراسات المبتذلة والسطحية التي تتحدث عن أن المرأة تنفق وقتا أطول في اختيار الملابس التي سترتديها، فيما لا يستغرق الرجل نفس الوقت عند قراره شراء سيارة، تكشف خلاصة النظرة النمطية التي تشكك في قدرة المرأة على اتخاذ القرارات الكبرى. مواطنة درجة ثانيةبسام عورتاني: المرأة يعتبرونها مواطنة درجة ثانية وهي الفتنة دينيا أيضا في العالم العربي يبدو الحكم على الطموحات والقرارات السياسية للنساء أكثر صرامة مما هو عليه في بقية الدول الغربية، فالقيود الاجتماعية تفرض عليهن في الغالب العمل في مجالات محدودة، فيما لا تخرج النظرة العامة إليهن من إطار أنهن ناقصات عقل ودين، ويفتقرن إلى القدرات التي تمكّنهن من اتخاذ القرارات الصعبة التي تحتاجها المراكز السياسية. واعتبر الدكتور بسام عورتاني، الباحث الفلسطيني المختصّ في علم الاجتماع أن “أهمّ عائق يقف أمام المرأة عموما وبما في ذلك طموحها السياسي هو صورة المرأة في ذهن الرجل وصورتها في ذهنها هي نفسها”. وقال عورتاني في تصريح لـ”العرب”، إن “صورة المرأة بُنيت على أسس التمايز الاجتماعي والطبقي والديني، فالمرأة في المجتمعات العربية خاضعة لثقافة ذكورية أبوية ممتدة، حتى وإن كانت في المجتمع المدني العربي فالممارسة القبلية والعصبية الثقافية ما زالت تحكم الدولة والمؤسسات”. وأضاف “إذن المرأة هي درجة ثانية وهي الأضعف وهي الفتنة دينيّا أيضا. وهنا يجب الإشارة إلى نقطة هامة وهي أن الرجل يتصدّر المشهد، والمجتمع أبوي ذكوري وفي الوقت نفسه يعتبر المرأة فتنة أو سبب الهزائم.. وهذا في حدّ ذاته يدلّ على حالة انفصام حقيقية في بنية التفكير والفكر العربي الرجعي”. وأوضح “صورة المرأة مرتبطة بهذه الثقافة التي تحدّ من تحقيق العدالة في المنافسة بعيدا عن الجنس أو العرق أو الدين. فهي ثقافة قمعية مبنية على إخضاع الآخر ولا يوجد احترام للمنافسة لأن المنافس يعتبر عدوّا. ولا يوجد قيمة للعمل المشترك أيضا”. وشدّد عورتاني على أنّ العلاقة بين الرجل والمرأة مبينة على أساس تصارعي وليس تشاركي، بدءا من العلاقة الزوجية ووصولا إلى العمل السياسي. وواصل “حتى فكرة الحرية مجتزأة لأنها لا تعتمد على مبدأ هام وهو الاستقلالية. فالمرأة أقل استقلالا ماليا واجتماعيا. وغالبا ما تحتاج إلى الرجل لكي يساعدها وما زالت تربط طموحها بمدى مساعدة الرجل لها. وما زالت تستخدم الثقافة التقليدية عندما تخدم مصالحها. فمثلا نشاهد نساء يدعون إلى الحرية والمساواة وغيرها من القيم إلا أنهن عندما يرغبن في الزواج أو عند زواج أولادهن يفاوضن على المهر ويُردن رجلا يدفع بدلا منهن ويتكلف بكل مصاريف الزواج كما هو الشأن في فلسطين والدول المشابهة”.حياة عمري: تواجد النساء في مواقع صنع القرار ما زال صعب المنال وأشار عورتاني إلى أن المرأة بحاجة لأن تكون حكيمة ومثقفة وصاحبة رأس مال لكي تستطيع أن تحكم وتنافس. ينقصها ما ينقص الرجل العربي الفكر الحر التشاركي والاستقلالية. وبما أن الحال كذلك، فإنّ النساء العربيات استطعن أن يحققن تقدّما نسبيا في مجالات مختلفة مثل التعليم والحقوق السياسية، إلا أنّ ما لم يتحقق بعد ما زال كثيرا، والتفاوت بين الدول العربية في هذا الإطار ما زال كبيرا. وتقدم نسبة النساء في البرلمانات العربية، التي لا تتجاوز 18 بالمئة، صورة دقيقة عن الفجوة الكبيرة بين الجنسين في المجال السياسي، كما لا تعكس مشاركة فعلية للمرأة في صنع القرار السياسي، وذلك بسبب مفاهيم وثقافة المجتمعات والأفكار النمطية الخاصة بالفروق بين الجنسين، التي تجعل العديد من النساء من يتخلّين عن طموحاتهن السياسية، وحتى عندما تحقق البعض منهن طموحاتها فإنها تضطر بسبب التصوّر العام بأن طبيعة الرجال أقدر على تولّي المناصب السياسية، العمل أكثر بكثير من الرجال، إلا أن التشكيك في قدراتها يستمر حتى بعد تولّي تلك المناصب والنجاح فيها. ففي تونس على سبيل المثال، حصلت المرأة التونسية على مكتسبات تشريعية مهمة خاصة في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، إذ وقّعت تونس على اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” سنة 1979 ودخلت حيّز التنفيذ سنة 1981. وتنصّ الاتفاقية على المساواة بين الجنسين في حق التصويت بجميع الانتخابات، وشغل المناصب العامة، وممارسة جميع المهام العامة التي يحددها القانون الوطني، ولكن الفجوة بين القانون والواقع ما زالت كبيرة. مشروعية وهمية ترى حياة عمري النائبة عن حركة النهضة أن ثقة المجتمع في المرأة تختلف من مجتمع إلى آخر، مشددة على أن المرأة التونسية قد نالت الكثير من الحقوق السياسية، في حين ما زالت نظيرتها في البعض من الدول العربية تكافح من أجل نيل أبسط حقوقها.قيس سعيد: ما زالت المرأة تعامل في الكثير من الأحيان على أساس الجنس وقالت عمري التي اختارها المجلس العربي للمرأة مؤخرا ضمن قائمة الـ100 امرأة عربية الأكثر تأثيرا لسنة 2017، وللمرة الثانية على التوالي في حديث لـ”العرب”، “تتمتع المرأة التونسية بحقوق واسعة ومكفولة في الدستور، وهذه المكاسب لا تقتصر فقط على ما تم التنصيص عليه في القوانين بل هي مكاسب اجتماعية واقتصادية ناضلت التونسيات لسنوات طويلة من أجل نيلها”. وأضافت “على مستوى المجال السياسي تتواجد المرأة التونسية بنسبة تفوق 34 بالمئة، وتعدّ هذه النسبة من أعلى النسب في العالم، بل تفوّقت حتى على الدول الأوروبية، لكن المرأة التونسية ما زالت تطمح إلى مساواة حقيقية، وهي عاكفة على الوصول إلى درجة التناصف التام مع الرجل. وتمنت عمري أن “يتحقق التناصف بين الجنسين في الانتخابات التشريعية القادمة، وتصبح نسبة حضور النساء مساوية للرجال على مستوى المجالس الجهوية ورئاسة البلديات”. وأوضحت “أما في ما يخص مواقع صنع القرار أو السلطة التنفيذية فهناك تحسّن كبير مقارنة بما كان عليه وضع المرأة السياسي قبل ثورة يناير، العديد من الوزارات غير التقليدية ترأسها نساء، ولكن عددهن محدود بالمقارنة مع الرجال”. وأكدت عمري أن “المجتمع التونسي لا يرفض عمل المرأة في المجال السياسي”، معللة رأيها بتواجد النساء في مناصب مثل معتمد أو والي (محافظ)، ولكن الأمر صعب بالنسبة لمواقع صنع القرار، حسب قولها “راجع إلى العقلية الذكورية ولذلك فوزارة المرأة مطالبة بعمل جبار على مستوى الإصلاح وعلى مستوى التشريعات حتى تصل المرأة التونسية إلى تناصف حقيقي مع الرجل في المناصب السياسية”. ويصف خبراء وصول النساء في البعض من الدول العربية والإسلامية إلى المناصب السياسية بالأمر الشكلي الذي تعتمده الأنظمة للظهور بمظهر الحكومات الديمقراطية والداعمة لحقوق المرأة والإنسان بصفة عامة، ولكن الواقع يقول العكس. ويرى قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري بتونس، أنّ الفرص التي تتاح للنساء للعمل في المجال السياسي يكون الهدف منها في الكثير من الأحيان تجميل وإضفاء مشروعية وهمية كاذبة على الأنظمة السياسية. وقال سعيد لـ”العرب”، “ما زالت المرأة تُعاملُ في الكثير من الأحيان على أساس الجنس، لا على أساس التمثيلية الحقيقية ومن مظاهر هذا التعامل الذي يقوم على أساس الجنس، ما يسمّى التناصف (أفقيا أو عموديا) في القائمات الانتخابية، الذي لا يؤمّن الحضور الكمي والنوعي للنساء، فكم من قائمات احتوت على أسماء مرشحات لا يعرفن أصلا في آي قائمة ترشحن”.أحمد قران الزهراني: يجب أن تطالب المرأة بحقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية دون خوف وأوضح “يقع توظيف المرأة لغايات لا علاقة لها بحقوقهن، ونظام الحصة (الكوتا) الذي اعتمدته البعض من الدول هو انتقاص للمرأة ولدورها في الحياة العامة”. وأضاف “لا يجب أن يُقاس دور المرأة في نسبة تمثيلها بالمجالس، حتى لا يكون وجودها مجرد وجود صوري أو مجرد مسحوق تجميل، وفي كل الحالات مقاربة حضور المرأة في هذه المجالس التشريعية مغلوطة وتقوم على أساس الجنس وفيها مساس بالمرأة وحقوقها”. لا شيء يأتي بمفرده في المملكة العربية السعودية حققت المرأة تقدّما نسبيّا في ما يخص الحقوق السياسية بعد أن سمحت لها السلطات في العام 2015 بالمشاركة في الانتخابات البلدية كمرشحة وناخبة، إلا أن رغبة الكثيرات في الترشح للمناصب السياسية العليا ما زالت أيضا تعتبر من أكثر الطموحات بعيدة المنال عن النساء، رغم المبادرات الحكومية الأخيرة في مجال تعزيز دور المرأة وتفعيل مشاركتها الفعلية سواء في الحياة العامة أو الحياة السياسية. ويقول الخبراء إن الوقت قد حان لتغيير القوانين والأعراف الاجتماعية التي لا تزال تفضّل الرجال على النساء في العديد من المجالات، وإتاحة الفرصة للنساء لإحداث تغيير في مجتمعاتهن، لكن هذا الأمر لن يتحقق ما لم تسع المرأة إلى فرض نفسها في المناصب القيادية العليا، حتى لو كانت لديها أسرة وتحتاج إلى الاهتمام بها، لأن ذلك سيكسر الصورة النمطية عن جنسها، ويجعل المجتمع يرى أنّ المرأة قادرة على الجمع بين العمل ورعاية العائلة. وقال الدكتور أحمد قران الزهراني أستاذ الصحافة والإعلام في كلية الاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة “منذ ما قبل الإسلام والمرأة تؤطر بحيّز ضيق في القيادة والتكليفات إلا عدد قليل منهن ممن استطعن أن يكنّ حالة فريدة بين قريناتهن”. وأضاف الزهراني لـ”العرب”، “في العُرف الاجتماعي العربي كانت المرأة تعتبر تابعة للرجل وتحت إمرته وهو من يسيّرها حسب رؤيته حتى جاء الإسلام فمنحها مساحة أكبر من التحرر من قيود الرجل، وإن ظلت أيضا مؤطرة بتشريعات لا تسمح لها بالمساواة في كل شيء مع الرجل”. وواصل “هناك أسماء نسوية عربية وإسلامية بارزة في كافة المجالات لكنها حالات نادرة ولا يقاس عليها، ففي حين نرى المرأة في العالم رئيسة ووزيرة خارجية ووزيرة دفاع ومسؤولة في المنظمات الدولية لا نرى المرأة العربية إلا في البعض من الوزارات الثانوية وفي بعض الدول العربية الاستثنائية وليس في كلها”.أسماء عبيد: النساء الموجودات حاليا في المجال السياسي لم يكن في أغلبهن مثالا جيدا وعبّر الزهراني في خاتمة حديثة عن تفاؤله بأن “يكون المستقبل أفضل بالنسبة للمرأة العربية عموما، كونها استطاعت أن تحصل على الكثير من الحقوق التي كانت مسلوبة منها”، مشددا على ضرورة أن “تطالب المرأة دائما بحقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية كاملة وتصرّ على مطالبها دون خوف من معارضة اجتماعية أو خشية من رأي ديني لا سياق له في الإسلام، وإن لم تفعل ذلك فلا شيء سيأتي بمفرده”. أما في العراق فتواجه المرأة عوائق بالجملة تحُول دون مشاركتها في الحياة السياسية بشكل فعّال وفي عملية صناعة القرار، بسبب التوجّه السياسي والعقائدي والعشائري للمجتمع، فضلا عن التخلف الاجتماعي الذي ساد في البلاد بعد صعود الأحزاب الدينية إلى الحكم، وتعدّيها على حقوق النساء التي كفلها لهنّ الدستور. المصالح الشخصية وصفت الإعلامية العراقية أسماء عبيد رجال السياسية ونساءها في بلادها بـ”الطفل الذي يحبو”، قائلة “رغم أن البعض لديهم خبرة طويلة تعدت أحيانا السنوات فهم لا يزالون يجهلون نسبة كبيرة من أسرارها ودهاليزها”. وأضافت عبيد لـ”العرب”، “كما أنّ نماذج النساء الموجودات حاليا في المجال السياسي لم تكن في أغلبها مثالا جيدا، ولم تمثل المرأة العراقية خير تمثيل إلا قلة منهن، للأسف لقد غلبت المصالح الشخصية على المصالح العامة”. وواصلت “هناك مجموعة من الأسباب التي تعرقل وتحدّ من مشاركة المرأة العراقية في الحياة السياسة، منها العائلية أو العشائرية، بالإضافة إلى عقلية المجتمع الذكوري وسلطة العادات والتقاليد، كما أن بعضهن لا يمتلكن الجرأة والشجاعة الكافية لمواجهة غيرهن من السياسيين الأكثر خبرة، إلى جانب غياب أسباب الدعم المادي والمعنوي لحملاتهن الانتخابية، وأيضا نظام الكوتا جعلهن مجرد رقم صغير في قوائم كبيرة”. وتمنت عبيد أن “تشهد في الدورة الانتخابية القادمة نماذج لنساء عراقيات قويات قادرات على تحقيق نجاح ملموس لشعبهن وللنساء خصوصا”. صحافية من تونس مقيمة في لندن شارك في إعداد التقرير: آمنة جبران
مشاركة :