هناك حرب خاطئة تخوضها وسائل الإعلام التقليدية مع وسائل التواصل الاجتماعي، لأن انخفاض ثقة الجمهور بفيسبوك ليس مفاجئا في عصر الأخبار الوهمية ولا يعني انتصارا للصحافة التقليدية. من المفيد أن يتواصل الصحافيون مع المواطن الصحافي الناشط بطريقة مطمئنة، لكنه من غير المفيد للصحافي أن يفقد الثقة بمستقبل صناعته. إن فقدان الثقة في وسائل الإعلام الاجتماعي ليس أفضل الأخبار التي كشف عنها الاستطلاع بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدية. لأن هناك نسبة كبيرة من الجمهور تقلل أو تتخلى عن متابعة الأخبار كليا. دعونا نتفق على أن الأخبار ليست أمرا مسليا للجمهور كمشاهدة برنامج كوميدي أو فيلم، وهو أمر مثير للقلق أكثر من المعركة الخطأ التي تديرها وسائل الإعلام مع فيسبوك وتويتر. معركة الصحافة الحقيقية كيف تصنع من الأخبار قصة متفاعلة بين الجمهور، وليس التخطيط لمعركة مستمرة مع فيسبوك العملاق؟ أزمة الثقة بالأخبار يمكن أن تتسبب بمفارقة انتشار لوسائط الإعلام الأقل ثقة على حساب المصادر الإخبارية الراسخة. وتلك المعركة التي يجب أن تواجهها الصحافة اليوم. لأن المجتمع والحكومات الديمقراطية يستفيدان في نهاية المطاف من وسائل الإعلام الإخبارية الحرة وعالية الجودة، كان نعوم كوهين، مؤلف كتاب “المعرفة للجميع: صعود وادي السليكون” يقول إن اعتبار الهاتف الذكي يجعل الإنسان أبكمَ أمر لا يتفق مع فكرة الديمقراطية كقوة سياسية وكرامة اجتماعية. بينما عاد المخرج الأميركي تشارلز فيرغيسون إلى التاريخ من أجل تأكيد فكرة أن الصحف لا تستطيع كشف مواضع الفساد والتزوير ونهب المال العام، إن لم تكن قوية ماليا ورابحة تجاريا. ويذكّر فيرغيسون أن واشنطن بوست ونيويورك تايمز وصحفا أخرى وقفت في وجه الرئيس ريتشارد نيكسون بشأن الغارات السرية على كمبوديا وكشفت فضيحة ووترغيت، لأنها كانت صحفا قوية ماليا ورابحة تجاريا، أما اليوم فقد أصبحت الصحف تقلص من عدد صحافييها، خاصة الصحافيين الاستقصائيين، وبيعت واشنطن بوست لشركة أمازون، بينما تعد لوس أنجلوس تايمز وشيكاغو تريبيون في عداد الصحف المفلسة، فيما تتعرض الشبكات التلفزيونية لضغوط مالية كبيرة، ولا توجد الآن في الولايات المتحدة أي شبكة تلفزيونية مستقلة. لسبب بسيط مفاده أن الصحافة تخوض المعركة الخطأ وتتجاهل معركتها الحقيقية مع صناعة الحقيقة بمحتوى متميز. كرم نعمة karam@alarab.co.uk
مشاركة :