يعتقد مصريون أن الأوضاع السياسية الراهنة والاقتصادية الصعبة أعادت الشباب إلى مربع ما قبل «ثورة يناير» من عدم الرغبة في المشاركة السياسية وتبدد الأمل بالإصلاح وفقدان الثقة بالنظام. ويعتقد بعضهم أن مشهد المقاهي المكتملة العدد، وإمارات الانسحاب الواضحة للوجوه الشابة من الفعاليات السياسية، باستثناء النشاطات الرئاسية الموجهة، لا يعني إلا إعادة إحياء حالة الفتور وعدم الاهتمام التي ظلت سمة لصيقة بمن هم دون سن الـ30 على مدة عقود طويلة. وعلى رغم أوجه الشبه الكثيرة بين التوجه العام للشباب المنصرف عن الشأن العام قبل ثورة يناير 2011 وحالهم هذه الأيام، إلا أن هناك اختلافات عدة تصنع فروقاً شاسعة بين المشهدين. فقبل ثورة يناير، كانت أطياف المعارضة اليسارية والتيارات المدنية مثل «كفاية» و «جبهة الإنقاذ» وغيرهما– لا سيما الكيانات التي نشأت بعيداً عن الأحزاب القديمة الكرتونية- قريبة إلى حد الالتصاق مع الشباب الراغب في التغيير والديموقراطية والحالم بإنهاء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وعلى رغم الوجوه التي شابت والأعمار المتقدمة للعديد من مؤسسي هذه الكيانات السياسية التي كانت فاعلة وتتمتع بقدر كبير من المصداقية الشعبية، إلا أن غالبية المنضمين والمتعاطفين والفاعلين فيها كانوا من الشباب. هذه النواة من الشباب الفاعل في التيارات اليسارية والحركات المدنية لم يعد اليوم على ما كان عليه. الأحداث المتواترة على مدار الأيام القليلة الماضية أوجدت ثم عمقت هوة عميقة بين الطرفين اللذين بدا أنهما متطابقين قبل سنوات. قرار المرشح الرئاسي السابق الخاسر ثم المحتمل وأخيراً المنسحب خالد علي بعدم خوض مضمار الانتخابات أفقده الكثير من الأرضية الشابة التي كان يستند إليها. فبين توكيلات الترشح التي لم تتمكن حملته من إكمالها، وقراره الفجائي غير المضعد بأسباب منطقية وأدلة حقيقية، يجد علي نفسه متهماً من قبل البعض من الشباب باتخاذ خطوات غير مدروسة. «هل درس التيار المدني الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية؟» السؤال الذي طرحه أحد الشباب من العائدين أدراجهم من الحراك السياسي في الشارع إلى التغريد والتدوين العنبكوتي في أوقات الفراغ، لاقى مئات التعليقات بين متهمة للتيار بالتفتت والتهلهل والموت الإكلينيكي، ومتسائلة عن مدى فاعلية المقاطعة أو المشاركة، ومستفسرة عن المقصود بـ»التيار المدني». أصحاب النيات الصافية والبريئة فسروا أن التيار المدني الديموقراطي يحوي أحزاب الكرامة والدستور والتحالف الشعبي والمصري الديموقراطي والعيش والحرية (تحت التأسيس) بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة مثل المرشح السابق حمدين صباحي والدكتور أحمد البرادعي (وزير التضامن الأسبق) والدكتور عمرو حلمي (وزير الصحة الأسبق) والمخرج داود عبد السيد وفريد زهران (رئيس حزب المصري الديموقراطي الاجتماعي ومدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الديموقراطي). وتراوحت التعليقات بين وجوه باكية أو غاضبة أو ضاحكة، واستفسارات عن هوية أسماء بعض «الشخصيات العامة»، إضافة إلى آراء وتقويمات حول الدعوة التي أطلقها المرشح السابق حمدين صباحي وعنوانها «خليك في البيت» والداعية إلى عدم المشاركة في الانتخابات. لكن الانتخابات وأجواءها غير الصحية وأحداثها المتسارعة والمتصارعة كشفت ستار المعارضة أمام قطاع عريض من الشباب الذي كان فاعلاً تحت رايتها. فلا هي منظمة، أو مرتبة، أو كانت واعية لقرب موعد الانتخابات لتأخذ عدتها وتستعد، ولا هي كانت صادقة مع أنصارها من الشباب لتبلغهم أو تتواصل معهم في شأن وقوعها تحت طائلة التضييق والتهميش وعدم قدرتها فعلياً على المواجهة. وبين تبرير الانكماش والاختفاء بالتضييق وتزيين السيطرة والهيمنة بالمشاركة تجد قطاعات كثيرة من الشباب نفسها مضطرة إلى العودة الى أماكنها التي كانت عليها قبل سنوات. صحيح أن بعض هذه القطاعات وجد في فعاليات الرئاسة الموجهة للشباب والمتمثلة في البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، ومنتديات الشباب التي تعقد بين الحين والآخر ما يقنعه ويثبت جدواه، لكن البعض الآخر مل الطرفين. قبل أيام صرح وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز بأن القيادة السياسية مهتمة بالشباب، وبأن وزارته ستعمل خلال الفترة المقبلة على تنظيم نشاطات الغرض منها حض الشباب على المشاركة السياسية، لا سيما في ضوء قرب الانتخابات الرئاسية. ويرى بعض الشباب في مثل هذه التصريحات عودة إلى ما كانت عليه الأوضاع من قبل في ما يختص بالتعامل مع الشباب. يقول عمر فهمي (27 عاماً): «مثل هذه التصريحات، حتى لو كانت من واقع العمل الحقيقي، لا تجذب الشباب كثيراً. فالشباب لا يحب انتظار مواسم الانتخابات فقط لتتذكرهم الدولة. كما أن إصرار السلطات على اتخاذ موقع القيادة والريادة في ما يختص بالعمل السياسي أمر منفر لكثيرين من الشباب. كل ما نطلبه هو فتح المجال السياسي الحقيقي للمشاركة». «فتح المجال السياسي» هي العبارة الأكثر تداولاً هذه الآونة، لا سيما في المجتمعات الشبابية. هذا الفتح المرجو يعيد إلى الأذهان الصراع العمري الذي تفجر في أعقاب ثورة يناير حين وصلت حال الاحتقان المجتمعي إلى درجة تصور الخلاص الوحيد الممكن في هيمنة جيل الشباب على المشهد وإقصاء جيل الكبار (عقابًا لهم على سابق عقود الإقصاء) وكأن عمل الجيلين جنبًا إلى جنب حل مستحيل. لكن هذه المرة ينضم إلى الكبار المطلوب إقصاؤهم – من وجهة نظر البعض من الشباب – المهيمنون على «التيار المدني» أياً كان تعريفه. كما أن تعريف الكبار في الصراع الجديد لم يعد تعريفًا عمريًا فقط، بل أصبح تعريفًا مهنيًا حيث الخلفيات العسكرية وأصحاب الخبرات التي تعود إلى عهود سياسية سابقة والمؤيدون للنظام الحالي جميعهم يندرج تحت بند «جيل الكبار» الجاثم على الشباب المطلوب تنحيهم. خلاصة القول وملخص المشهد أن الهوة الحالية بين فئات الشباب المصري الراغب في الحراك بقواعده ومنطقه باتت أوسع وأعمق حيث أصدقاء الأمس وحلفاؤه يقفون جنباً إلى جنب مع الخصوم التقليديين. فهل من حراك مختلف، لا سيما أن القاعدة العريضة من الشعب كرهت الثورات وأنفت من التغيير ولا تبغي سوى قليل من الاستقرار ومن تحسن الاقتصاد؟
مشاركة :